وقال الآلوسى :
﴿ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ ﴾
أي خلفاء في الأرض أو خلفاء لهم قيل : ولم يقل : خلفاء عاد مع أنه أخصر إشارة إلى أن بينهما زماناً طويلاً ﴿ وَبَوَّأَكُمْ ﴾ أي أنزلكم وجعل لكم مباءة ﴿ فِى الأرض ﴾ أي أرض الحجر بين الحجاز والشام ﴿ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا ﴾ أي تبنون في سهولها مساكن رفيعة.
فمن بمعنى في كما في قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة ﴾ [ الجمعة : ٩ ] ويجوز أن تكون ابتدائية أو تبعيضية أي تعملون القصور من مادة مأخوذة من السهل كاللبن والآجر المتخذين من الطين.
والجار والمجرور على ما قال أبو البقاء يجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالاً مما بعده.
وأن يكون مفعولاً ثانياً لتتخذون.
وأن يكون متعلقاً به وهو متعد لواحد.
والسهل خلاف الحزن وهو موضع الحجارة والجبال.
والجملة استئناف مبين لكيفية التبوئة فإن هذا الاتخاذ بأقداره سبحانه.
﴿ وَتَنْحِتُونَ الجبال ﴾ أي تنجرونها، والنحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء.
وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وفي "القاموس" عنه أنه "قرأ ﴿ تنحاتون ﴾ " بالإشباع كينباع، وانتصاب ﴿ مِنْهُ الجبال ﴾ على المفعولية، وقوله سبحانه :﴿ بُيُوتًا ﴾ نصب على أنه حال مقدرة منها لأنها لم تكن حال النحت بيوتاً كخطت الثوب جبة، والحالية كما قال الشهاب باعتبار أنها بمعنى مسكونة إن قيل بالاشتقاق فيها، وقيل : انتصاب ﴿ الجبال ﴾ بنزع الخافض أي من الجبال، ويرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ونصب ﴿ بُيُوتًا ﴾ على المفعولية، وجوز أن يضمن النحت معنى الاتخاذ فانتصابهما على المفعولية.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم اتخذوا القصور في السهول ليصيفوا فيها ونحتوا من الجبال بيوتاً ليشتوا فيها، وقيل : إنهم نحتوا الجبال بيوتاً لطول أعمارهم وكانت الأبنية تبلى قبل أن تبلى أعمارهم.


الصفحة التالية
Icon