إذا قطع رأسها فيبست، والفرس : ضرب قوائمها بالسيف وأكثر ما يستعمل العقر في الفساد، وأما النحر فيستعمل غالباً في الانتفاع بالمنحور لحماً وجلداً وغيرهما، فلعل التعبير به دون النحر إشارة إلى أنهم لم يقصدوا بنحرها إلا إهلاكها عتواً على الله وعناداً وفعلاً للسوء مخالفة لنهي صالح عليه السلام، ولا يشكل ذلك بما ورد من أنهم اقتسموا لحمها، لأنه لم يدع أن العقر يلزمه عدم الانتفاع بالمنحور، وعلى التنزل فهم لم يريدوا بذلك الانتفاع باللحم، وإنما قصدوا- حيث لم يمكنهم المشاركة جميعاً في العقر - ان يشتركوا فيما نشأ عنه تعريضاً برضاهم به ومشاركتهم فيه بما يمكنهم ﴿وعتوا﴾ أي تجاوزوا الحد في الغلطة والتكبر ﴿عن أمر﴾ أي امتثال أمر ﴿ربهم﴾ أي المحسن إليهم الذي أتاهم على لسان رسوله من تركها ﴿وقالوا﴾ زيادة في العتو ﴿يا صالح ائتنا ﴾.
ولما نزلوا وعيدهم له - حيث لم يؤمنوا به - منزلة الوعد والبشارة، قالوا :﴿بما تعدنا﴾ استخفافاً منهم ومبالغة في التكذيب، كأنهم يقولون : نحن على القطع بأنك لا تقدر أن تأتينا بشيء من ذلك، وإن كنت صادقاً فافعل ولا تؤخره رفقاً بنا وشفقة علينا، فإنا لا نتأذى بذلك، بل نتلذذ من يلقى الوعد الحسن، وحاصله التهكم منهم به والإشارة إلى عدم قدرته ؛ وأكدوا ذلك بقولهم بأداة الشك :﴿إن كنت من المرسلين﴾ أي الذين سمعنا أخبارهم فيما مضى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٥٨ ـ ٦٠﴾
فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿فعقروا الناقة﴾ قال الأزهري : العقر عند العرب، كشف عرقوب البعير، ولما كان العقر سبباً للنحر أطلق العقر على النحر إطلاقاً لاسم السبب على المسبب.
واعلم أنه أسند العقر إلى جميعهم، لأنه كان برضاهم مع أنه ما باشره إلا بعضهم، وقد يقال للقبيلة العظيمة : أنتم فعلتم كذا مع أنه ما فعله إلا واحد منهم.
ثم قال :﴿وعتوا عن أمر ربهم﴾ يقال : عتا يعتو عتواً، إذا استكبر.
ومنه يقال : جبار عات قال مجاهد : العتو الغلو في الباطل وفي قوله :﴿عن أمر ربهم﴾ وجهان :
الأول : معناه استكبروا عن امتثال أمر ربهم وذلك الأمر هو الذي أوصله الله إليهم على لسان صالح عليه السلام وهو قوله :﴿فذروها تأكل في أرض الله﴾ [ الأعراف : ٧٣ ] الثاني : أن يكون المعنى وصدر عتوهم عن أمر ربهم، فكان أمر ربهم بتركها صار سبباً في إقدامهم على ذلك العتو، كما يقال : الممنوع متبوع ﴿وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين﴾ وإنما قالوا ذلك، لأنهم كانوا مكذبين له في كل ما أخبر عنه من الوعد والوعيد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٣٤ ـ ١٣٥﴾