وقوله :﴿جاثمين﴾ قال أبو عبيدة : الجثوم للناس والطير، بمنزلة البروك للإبل، فجثوم الطير هو وقوعه لاطئاً بالأرض في حال سكونه بالليل، والمعنى : أنهم أصبحوا جاثمين خامدين لا يتحركون موتى، يقال : الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يحسون بشيء، ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها، وهي البهيمة التي تربط لترمى، فثبت أن الجثوم عبارة عن السكون والخمود، ثم اختلفوا، فمنهم من قال : لما سمعوا الصيحة العظيمة تقطعت قلوبهم وماتوا جاثمين على الركب، وقيل بل سقطوا على وجوههم، وقيل وصلت الصاعقة إليهم فاحترقوا وصاروا كالرماد.
وقيل : بل عند نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض، والكل متقارب.
وههنا سؤالات :
السؤال الأول : أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا :﴿يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين﴾ قال تعالى :﴿فأخذتهم الرجفة﴾ والفاء للتعقيب وهذا يدل على أن الرجفة أخذتهم عقيب ما ذكروا ذلك الكلام وليس الأمر كذلك، لأنه تعالى قال في آية أخرى :﴿فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ [ هود : ٦٥ ].
والجواب : أن الذي يحصل عقيب الشيء بمدة قليلة قد يقال فيه إنه حصل عقيبه فزال السؤال.
السؤال الثاني : طعن قوم من الملحدين في هذه الآيات بأن ألفاظ القرآن قد اختلفت في حكاية هذه الواقعة، وهي الرجفة والطاغية والصيحة، وزعموا أن ذلك يوجب التناقض.
والجواب : قال أبو مسلم : الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده سواء كان حيواناً أو غير حيوان وألحق الهاء به للمبالغة، فالمسلمون يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت.
وقال تعالى :﴿إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ [ العلق : ٦، ٧ ] ويقال : طغى طغياناً وهو طاغ وطاغية.