ولما كان غير مستبعد على صفاقة وجوههم ووقاحتهم أن يقولوا : لم تكون فعلتنا منكراً موبخاً عليها؟ قال :﴿ما سبقكم بها﴾ وأغرق في النفي بقوله :﴿من أحد﴾ وعظم ذلك بتعميمه في قوله :﴿من العالمين﴾ فقد اخترعتم شيئاً لا يكون مثل فحشه لتذكروا به أسوأ ذكر، كما أن ذوي الهمم العوال والفضل والكمال يستنبطون من المحاسن والمنافع ما يبقى لهم ذكره وينفعهم أجره، وفي ذلك أعظم إشارة إلى تقبيح البدع والتشنيع على فاعليها، لأن العقول لا تستقل بمعرفة المحاسن. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٦١ ـ ٦٣﴾
فصل
قال الفخر :
﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾
اعلم أن هذا هو القصة الرابعة.
قال النحويون : إنما صرف لوط ونوح لخفته، فإنه مركب من ثلاثة أحرف، وهو ساكن الوسط ﴿أتأتون الفاحشة﴾ أتفعلون السيئة المتمادية في القبح ؟ وفي قوله :﴿ما سبقكم بها من أحد من العالمين﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول : قال صاحب "الكشاف" :﴿من﴾ الأولى زائدة لتوكيد النفي، وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض.
فإن قيل : كيف يجوز أن يقال :﴿ما سبقكم بها من أحد من العالمين﴾ مع أن الشهوة داعية إلى ذلك العمل أبداً؟
والجواب : أنا نرى كثيراً من الناس يستقذر ذلك العمل، فإذا جاز في الكثير منهم استقذاره لم يبعد أيضاً انقضاء كثير من الإعصار بحيث لا يقدم أحد من أهل تلك الأعصارعليه، وفيه وجه آخر، وهو أن يقال : لعلهم بكليتهم أقبلوا على ذلك العمل، والإقبال بالكلية على ذلك العمل مما لم يوجد في الأعصار السابقة.
قال الحسن : كانوا ينكحون الرجال في أدبارهم، وكانوا لا ينكحون إلا الغرباء.
وقال عطاء عن ابن عباس : استحكم ذلك فيهم حتى فعل بعضهم ببعض.
البحث الثاني : قوله :﴿ما سبقكم﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً في التوبيخ لهم، ويجوز أن يكون صفة الفاحشة، كقوله تعالى :﴿وآية لهم الليل نسلخ منه النهار﴾ [ ياس : ٣٧ ] وقال الشاعر :
ولقد أمر على اللئيم يسبني.. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٣٦ ـ ١٣٧﴾