وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون ﴾
هذا الأصل الثّالث من دعوته وهو النّهي عن التّعرّض للنّاس دون الإيمان، فإنّه بعد أن أمرهم بالإيمان بالله وما يتطلّبه من الأعمال الصّالحة، وفي ذلك صلاح أنفسهم، أي أصلحوا أنفسكم ولا تمنعوا من يَرغب في إصلاح نفسه ذلك أنّهم كانوا يصدّون وفودَ النّاس عن الدّخول إلى المدينة التي كان بها شعيب عليه السّلام لئلا يؤمنوا به.
فالمراد بالصّراط الطريق الموصلة إلى لقاء شعيب عليه السّلام.
والقعود مستعمل كناية عن لازمه وهو الملازمة والاستقرار، وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ لأقْعُدَنّ لهم صراطك المستقيم ﴾ في هذه السّورة ( ١٦ ).
و( كُلّ ) للعموم وهو عموم عُرفي، أي كلّ صراط مبلغ إلى القرية أو إلى منزل شعيب عليه السّلام، ويجوز أن تكون كلمة ( كلّ ) مستعملة في الكثرة كما تقدّم.
والباء للإلصاق، أو هي بمعنى ( في ) كشأنها إذا دخلت على أسماء المنازل.
كقول امرىء القيس:
بسِقْط اللِّوَى...
البيت.
وجملة :﴿ توعدون ﴾ حال من ضمير ﴿ تقعدوا ﴾ والإيعاد : الوعد بالشرّ.
والمقصود من الإيعاد الصدّ، فيكون عطف جملة ﴿ وتصدون ﴾ عطفَ علّة على معلول، أو أريد توعدون المصمّمين على اتِّباع الإيمان، وتصدّون الذين لم يصمّموا فهو عطف عام على خاص.
و﴿ من آمن ﴾ يتنازعه كلٌ من ﴿ توعدون ﴾ وتصدّون.
والتّعبير بالماضي في قوله :﴿ مَن آمن به ﴾ عوضاً عن المضارع، حيث المراد بمن آمن قاصدُ الإيمان، فالتعبير عنه بالماضي لتحقيق عزم القاصد على الإيمان فهو لولا أنّهم يصدّونه لكان قد آمن.
و﴿ سبيل الله ﴾ الدّين لأنّه مِثل الطريق الموصل إلى الله، أي إلى القرب من مرضاته.
ومعنى ﴿ تبغونها عوجا ﴾ تبغون لسبيل الله عوجاً إذ كانوا يزعمون أن ما يدعو إليه شعيب باطل، يقال : بغاه بمعنى طلب له، فأصله بغى له فحذفوا حرف الجر لكثرة الاستعمال أو لتضمين بغى معنى أعطى.