هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِبَيَانِ أَهَمِّ الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا بِالرَّفْضِ وَالْكَرَاهَةِ، وَهُوَ إِنْشَاءٌ فِي لَفْظِ الْخَيْرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا قَسَمِيًّا لِرَفْضِ دَعْوَةِ الْمَلَأِ إِيَّاهُمْ إِلَى الْعَوْدِ فِي مِلَّتِهِمْ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : بَرِئْتُ مِنَ الذِّمَّةِ، أَوْ مِنْ دِينِي، أَوْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَيَكُونُ مُقَابَلَةً لِقَسَمِهِمْ بِقَسَمٍ أَعْرَقَ مِنْهُ فِي التَّوْكِيدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعَجُّبًا خَرَجَ لَا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَأَكَّدَ بِقَدْ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي، وَالْمَعْنَى : مَا أَعْظَمَ افْتِرَاءَنَا عَلَى اللهِ تَعَالَى إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا، وَهَدَانَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ بِالْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِذَا كَانَ مَنْ يَتَّبِعُ مِلَّتَكُمْ يُعَدُّ مُفْتَرِيًا عَلَى اللهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُ، لَا بِهِدَايَةٍ مِنَ الْوَحْيِ وَلَا بُرْهَانٍ مِنَ الْعَقْلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ
افْتَرَى عَلَيْهِ وَضَلَّ عَنْ صِرَاطِهِ عَلَى عِلْمٍ ؟ وَإِنَّ كُفْرَ الْجُحُودِ ـ وَهُوَ إِنْكَارُ الْحَقِّ وَغَمْطُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ ـ هُوَ شَرُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِيهِ أَفْظَعُ ضُرُوبِ الِافْتِرَاءِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ فِيهَا أَدْنَى عُذْرٍ.