حيز لو مقرّرٌ على ما هو عليه من الاستبعاد، بخلاف ما نحن فيه، لما أن كلمةَ لو متعلقةٌ فيه بفعل مقدرٍ يقتضيه المذكورُ وأن ما يُقصد بيانُ تحققِه على كل حال هو مدلولُه لا مدلولُ المذكورِ وأن الجملةَ حالٌ من ضميره لا من ضمير المذكورِ كما سيأتي أو المقصودُ الأصلي إنكارُ مدلولِه من حيث مقارنتُه للحالة المذكورةِ، وأما تقديرُ مقارنته لغيرها فلتوسيع الدائرةِ وأن ما في حيز ( لو ) لا يقصد استبعادُه في نفسه بل يقصد الإشعارُ بأنه أمرٌ مقرّرٌ إلا أنه أُخرج مُخرَجَ الاستبعادِ مبالغةً في الإنكار من جهة أن العودَ مما يُنكر عند كونِ الكراهةِ أمراً مستعداً فكيف به عند كونِها أمراً محققاً ومعاملةً مع المخاطَبين على معتقدَهم لاستنزالهم من رتبة العِناد؟ وليس المرادُ بالكراهة مجردَ كراهةِ المؤمنين للعود في ملة الكفرِ ابتداءً حتى يقال إنها معلومةٌ لهم فكيف تكون مستبعدةً عندهم بل إنما هي كراهتُهم له بعد وعيدِ الإخراجِ الذي جُعل قريناً للقتل في قوله تعالى :
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا ﴾ الآية، فإنهم كانوا يستبعدونها ويطمَعون في أنهم حينئذ يختارون العَوْدَ خشيةَ الإخراجِ، إذ رُب مكروهٍ يُختار عند حلولِ ما هو أشدُّ منه وأفظعُ، والتقديرُ : أنعودُ فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين غيرَ مبالين بالإكراه؟ فالجملةُ في محل النصب على الحالية من ضمير الفعل المقدرِ حسبما أُشير إليه، إذ مآلُه : أنعود فيها حالَ عدمِ الكراهةِ، وحالُ الكراهةِ إنكارٌ لما تفيده كلمتُهم الشنيعةُ بإطلاقها من العَوْد على أي حالة كانت، غيرَ أنه اكتُفِيَ بذكر الحالة الثانيةِ التي هي أشدُّ الأحوالِ منافاةً للعود وأكثرُها بُعداً منه تنبيهاً على أنها هي الواقعةُ في نفس الأمر، وثقةً بإغنائها عن ذكر الأولى إغناءً واضحاً لأن العودَ الذي تعلق به الإنكارُ حين تحققَ مع الكراهة على ما يوجبه كلامُهم فلأن يتحققَ مع عدمها أولى.