إن قلتَ : النفيُ المستفادُ من الاستفهام الإنكاريّ فيما نحن فيه بمنزلة صريحِ النفي ولا ريب في أن الأولويةَ هناك معتبرةٌ بالنسبة إلى النفي، ألا يُرى أن الأولى بالتحقق فيما ذُكر من مثال النفي عند الحالةِ المسكوتِ عنها أعني عدمَ الغِنى هو عدمُ الإعطاءِ لا نفسُه فكان ينبغي أن يكون الأولى بالتحقيق فيما نحن فيه عند عدمِ الكراهةِ عدمُ العَوْدِ لا نفسُه، إذ هو الذي يدل عليه قولُنا : أنعود؟ لأنه في معنى لا نعود، فلمَ اختلف الحالُ بينهما؟ قلتُ : لِما أن مناطَ الأولويةِ هو الحكمُ الذي أريد بيانُ تحققِه على كل حالٍ وذلك في مثال النفي عدمُ الإعطاءِ المستفادِ من الفعل المنفي المذكور، وأما فيما نحن فيه فهو نفسُ العودِ المستفادِ من الفعل المقدرِ إذ هو الذي يقتضيه الكلامُ السابقُ أعني قولَهم :( لتعودُن ) وأما الاستفهامُ فخارجٌ عنه واردٌ عليه لإبطال ما يفيده ونفيِ ما يقتضيه لا أنه من تمامه كما في صورة النفي، وتوضيحُه أن بين النفيين فرقاً معنوياً تختلف به أحكامُهما التي من جملتها ما ذُكر من اعتبار الأولوية في أحدهما بالنسبة إلى نفسه، وفي الآخر بالنسبة إلى متعلَّقه ولذلك لا تستقيم إقامةُ أحدِهما مُقامَ الآخَر على وجه الكلية، ألا يُرى أنك لو قلت مكانَ أنعود فيها الخ، لا نعود فيها ولو كنا كارهين لاختلَّ المعنى اختلالاً فاحشاً، لأن مدلولَ الأولِ نفيُ العَوْد المقيدِ بحال الكراهة ومدلولَ الثاني تقييدُ العودِ المنفيِّ بها وذلك لأن حرفَ النفي يباشر نفسَ الفعلِ وينفيه، وما يُذكر بعده يرجِعُ إليه من حيث هو منفيٌّ. وأما همزةُ الاستفهامِ فإنها تباشر الفعلَ بعد تقيُّدِه بما بعده، لما أن دِلالتَها على الإنكار والنفي ليست بدلالة وضعيةٍ كدِلالة حرفِ النفي حتى يتعلقَ معناها بنفس الفعلِ الذي يليها، ويكونَ ما بعده راجعاً إليه من حيث هو منفيٌّ، بل هي دِلالةٌ عقليةٌ مستفادةٌ من سياق الكلامِ فلا بد


الصفحة التالية
Icon