وقال أبو حيان :
﴿ وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء لعلهم يضرّعون ﴾
لما ذكر تعالى ما حلّ بالأمم السالفة من بأسه وسطوته عليهم آخر أمرهم حين لا تجدي فيهم الموعظة ذكر تعالى أن تلك عادته في أتباع الأنبياء إذا أصرّوا على تكذيبهم وجاء بعد إلا فعل ماض وهو ﴿ أخذنا ﴾ ولا يليها فعل ماض إلا أن تقدم فعل أو أصحب بقد فمثال ما تقدّمه فعل هذه الآية ومثال ما أصحب قد قولك ما زيد إلا قد قام والجملة من قوله ﴿ أخذنا ﴾ حاليّة أي إلا آخذين أهلها وهو استثناء مفرّغ من الأحوال وتقدّم تفسير نظير قوله ﴿ إلا أخذنا ﴾ إلى آخره. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾
وقال أبو السعود :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ ﴾
إشارةٌ إجمالية إلى بيان أحوالِ سائرِ الأمم إثرَ بيان أحوالِ الأممِ المذكورة تفصيلاً، ومِنْ مزيدةٌ لتأكيد النفي والصفةُ محذوفةٌ أي من نبي كُذِّب أو كذَّبه أهلُها ﴿ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا ﴾ استثناءٌ مفرغٌ من أعم الأحوالِ، وأخذنا في محل النصب من فاعل أرسلنا والفعلُ الماضي لا يقع بعد إلا بأحد شرطين إما تقديرِ قد كما في هذه الآية أو مقارَنةِ قد، كما في قولك : ما زيد إلا قد قام والتقديرُ وما أرسلنا في قرية من القرى المُهلَكة نبياً من الأنبياء في حال من الأحوال إلا حالَ كونِنا آخذين أهلَها ﴿ بالبأساء ﴾ بالبؤس والفقرِ ﴿ والضراء ﴾ بالضُّرّ والمرض، لكن لا على معنى أن ابتداءَ الإرسالِ مقارِنٌ للأخذ المذكورِ بل على أنه مستتبِعٌ له غيرُ منفكَ عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيِّهم وتعزُّزِهم عليه حسبما فعلت الأممُ المذكورة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ كي يتضرعوا ويتذللوا ويحُطّوا أرديةَ الكِبْر والعزةِ عن أكتفاهم كقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إلى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فأخذناهم بالبأساء والضراء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon