اعلم أنه تعالى لما بين فيما تقدم من الآيات حال الكفار الذين أهلكهم الله بالاستئصال مجملاً ومفصلاً أتبعه ببيان أن الغرض من ذكر هذه القصص حصول العبرة لجميع المكلفين في مصالح أديانهم وطاعاتهم، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اختلف القراء فقرأ بعضهم ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ بالياء المعجمة من تحتها، وبعضهم بالنون، قال الزجاج : إذا قرىء بالياء المعجمة من تحت كان قوله :﴿أَن لَّوْ نَشَاءُ﴾ مرفوعاً بأنه فاعله بمعنى أو لم يهد للذين يخلفون أولئك المتقدمين ويرثون أرضهم وديارهم، وهذا الشأن وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورثين، إذا قرىء بالنون فهو منصوب، كأنه قيل أولم نهد للوارثين هذا الشأن بمعنى أو لم نبين لهم أن قريشاً أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم ؟
المسألة الثانية :
المعنى أو لم نبين للذين نبعثهم في الأرض بعد إهلاكنا من كان قبلهم فيها فنهلكهم بعدهم ؟ وهو معنى لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، أي عقاب ذنوبهم، وقوله :﴿وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ﴾ أي إن لم نهلكهم بالعقاب نطبع على قلوبهم ﴿فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي لا يقبلون، ولا يتعظون، ولا ينزجرون وإنما قلنا : إن المراد إما الإهلاك وإما الطبع على القلب، لأن الإهلاك لا يجتمع مع الطبع على القلب، فإنه إذا أهلكه يستحيل أن يطبع على قلبه.
المسألة الثالثة :
استدل أصحابنا على أنه تعالى قد يمنع العبد عن الإيمان بقوله :﴿وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ والطبع والختم والرين والكنان والغشاوة والصد والمنع واحد على ما قررناه في آيات كثيرة.
قال الجبائي : المراد من هذا الطبع أنه تعالى يسم قلوب الكفار بسمات وعلامات تعرف الملائكة بها أن أصحابها لا يؤمنون، وتلك العلامة غير مانعة من الإيمان.