والقول الثاني : أنها مفعلة، وعلى هذا الوجه، فمعنى المدينة المملوكة من دانه يدينه، فقولنا مدينة من دان، مثل معيشة من عاش، وجمعها مداين على مفاعل.
كمعايش، غير مهموز، ويكون اسماً لمكان والأرض التي دانهم السلطان فيها أي ساسهم وقهرهم.
والقول الثالث : قال المبرد مدينة أصلها مديونة من دانه إذا قهره وساسه، فاستثقلوا حركة الضمة على الياء فسكنوها ونقلوا حركتها إلى ما قبلها، واجتمع ساكنان الواو المزيدة التي هي واو المفعول، والياء التي هي من نفس الكلمة، فحذفت الواو لأنها زائدة، وحذف الزائد أولى من حذف الحرف الأصلي، ثم كسروا الدال لتسلم الياء، فلا تنقلب واواً لانضمام ما قبلها فيختلط ذوات الواو بذوات الياء، وهكذا القول في المبيع والمخيط والمكيل، ثم قال الواحدي : والصحيح أنها فعيلة لاجتماع القراء على همز المدائن.
المسألة الثالثة :
﴿وَأَرْسِلْ فِى المدائن حاشرين﴾
يريد وأرسل في مدائن صعيد مصر رجالاً يحشروا إليك ما فيها من السحرة.
قال ابن عباس : وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، ونقل القاضي عن ابن عباس، أنهم كانوا سبعين ساحراً سوى رئيسهم، وكان الذي يعلمهم رجلاً مجوسياً من أهل نينوى بلدة يونس عليه السلام، وهي قرية بالموصل.
وأقول هذا النقل مشكل، لأن المجوس أتباع زرادشت، وزرادشت إنما جاء بعد مجيء موسى عليه السلام.
أما قوله :﴿يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ حمزة والكسائي بكل سحار، والباقون بكل ساحر، فمن قرأ سحار فحجته أنه قد وصف بعليم، ووصفه به يدل على تناهيه فيه وحذقه به، فحسن لذلك أن يذكر بالاسم الدال على المبالغة في السحر، ومن قرأ ساحر فحجته قوله :﴿وَأُلْقِىَ السحرة﴾ [ الأعراف : ١٢٠ ] ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة﴾ [ الشعراء : ٤٠ ] والسحرة جمع ساحر مثل كتبه وكاتب وفجرة وفاجر.


الصفحة التالية
Icon