وأما النوع الثاني : فتقول : إذا كنت مشترطاً، إما تعطين زيداً فإنه يشكرك، قال الله تعالى :﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الحرب فَشَرّدْ﴾ [ الأنفال : ٥٧ ] وتقول في الشك لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو، وتقول في التخيير، لي بالكوفة دار فإما أن أسكنها، وإما أن أبيعها والفرق بين، أما إذا أتت للشك وبين أو، أنك إذا قلت جاءت زيد أو عمرو فقد يجوز أن تكون قد بنيت كلامك على اليقين ثم أدركك الشك فقلت أو عمرو فصار الشك فيهما جميعاً فأول الإسمين في "أو" يجوز أن يكون بحيث يحسن السكوت عليه ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر، ألا ترى أنك تقول : قام أخوك وتسكت، ثم تشك فتقول : أو أبوك، وإذا ذكرت إما فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك وليس يجوز أن تقول ضربت إما عبد الله وتسكت وأما دخول ﴿أَن﴾ في قوله :﴿إِمَّا أَن تُلْقِىَ﴾ وسقوطها من قوله :﴿إِمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [ التوبة : ١٠٦ ] فقال الفراء : أدخل ﴿أَن﴾ في ﴿إِمَّا﴾ في هذه الآية لأنها في موضع أمر بالاختيار وهي في موضع نصب، كقول القائل : اختر ذا أو ذا، كأنهم قالوا اختر أن تلقي أو نلقي وقوله :﴿إِمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ ليس فيه أمر بالتخيير.
ألا ترى أن الأمر لا يصلح ههنا، فلذلك لم يكن فيه "أن" والله أعلم.
المسألة الثانية :
قوله :﴿إِمَّا أَن تُلْقِىَ﴾ يريد عصاه ﴿وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ أي ما معنا من الحبال والعصي فمفعول الإلقاء محذوف وفي الآية دقيقة أخرى وهي أن القوم راعوا حسن الأدب حيث قدموا موسى عليه السلام في الذكر وقال أهل التصوف إنهم لما راعوا هذا الأدب لا جرم رزقهم الله تعالى الإيمان ببركة رعاية هذا الأدب ثم ذكروا ما يدل على رغبتهم في أن يكون ابتداء الإلقاء من جانبهم وهو قولهم :﴿وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ لأنهم ذكروا الضمير المتصل وأكدوه بالضمير المنفصل وجعلوا الخبر معرفة لا نكرة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٦٤ ـ ١٦٥﴾