قَالَ اللهُ تَعَالَى : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْقَصَصِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْلِهِ : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا الْقِصَّةَ، فَهِيَ نَوْعٌ وَهُنَّ نَوْعٌ آخَرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ أَنَّ تِلْكَ الْقَصَصَ مُتَشَابِهَةٌ فِي تَكْذِيبِ الْأَقْوَامِ فِيهَا لِرُسُلِهِمْ وَمُعَانَدَتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَإِيذَائِهِمْ لَهُمْ، وَفِي عَاقِبَةِ ذَلِكَ بِإِهْلَاكِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْأُولَى بِدُونِ إِعَادَةِ ذِكْرِ الْإِرْسَالِ
لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ : وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا وَلُوطًا وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا وَقَدْ أَعَادَ فِي قِصَّةِ مُوسَى ذِكْرَ الْإِرْسَالِ لِلتَّفْرِقَةِ، وَلَكِنْ بِلَفْظِ الْبَعْثِ، وَهُوَ أَخَصُّ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظِ الْإِرْسَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَى الْإِثَارَةِ وَالْإِزْعَاجِ إِلَى الشَّيْءِ الْمُهِمِّ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي بَعْثِ الْمَوْتَى، وَفِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ ؛ أَيْ : بَعْثُ عِدَّةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَفِي بَعْثَةِ نَبِيِّنَا وَمُوسَى خَاصَّةً، وَكَذَا فِي بَعْثِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَعْثِ مَنِ انْتَقَمَ مِنْهُمْ وَعَذَّبَهُمْ وَسَبَاهُمْ حِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْبَعْثِ هُنَا يُؤَكِّدُ مَا أَفَادَتْهُ إِعَادَةُ الْعَامِلِ مِنَ التَّفْرِقَةِ


الصفحة التالية
Icon