وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ حقيق عَليّ ﴾ قرأه نافع بالياء في آخر ( علي ) فهي ياء المتكلم دخل عليها حرف ( على ) وتعدية حقيق بحرف ( على ) معروفة.
قال تعالى :﴿ فحق علينا قول ربنا ﴾ [ الصافات : ٣١ ]، ولأن حقيق بمعنى واجب فتعديته بحرف على واضحة، و ﴿ حقيقٌ ﴾ خبر ثان عن ﴿ إني ﴾، فليس في ضمير المتكلم من قوله :( علي ) على قراءة نافع التفات، بخلاف ما لو جعل قوله :﴿ حقيق ﴾ صفة ل ﴿ رسول ﴾ فحينئذٍ يكون مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الغائب، فيقول : حقيق عليه، فيكون العدول إلى التكلم التفاتاً، وفاعل ﴿ حقيق ﴾ هو المصدر المأخوذ من قوله :﴿ أنْ لا أقولَ ﴾ أي : حقيق علي عدم قولي على الله غيرَ الحق.
وحقيق فعيل بمعنى فاعل، وهو مشتق من ( حَق ) بمعنى وجب وثبت أي : متعين وواجب علي قول الحق على الله، و ( على ) الأولى للاستعلاء المجازي و ( على ) الثانية بمعنى عن، وقرأ الجمهور ( علىَ ) بألف بعد اللام، وهي ( على ) الجارة.
ففي تعلق ( على ) ومجرورها الظاهر بـ ﴿ حقيق ﴾ تأويلٌ بوجوه أحسنها قول الفراء، وأبي علي الفارسي : أن ( على ) هنا بمعنى الباء وأن ﴿ حقيق ﴾ فعيل بمعنى مفعول : أي محقوق بأن لا أقول على الله إلاّ الحق، أي : مجعول قولُ الحق حقّاً علي، كقَول الأعشى :"
لَمَحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَجيبيِ لقَوْلِهِ "
أي محقوقة بأن تستجيبي، وقول سعيد بن زيد "ولوْ أنّ أُحُداً انْقضّ لِما صنعتم بعُثْمانَ لكان محقوقاً بأن ينقضّ".
ومنها ما قال صاحب "الكشاف" "والأوْجهُ الأدْخلُ في نُكت القرآن أن يُغْرِقَ موسى في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام فيقول : أنا حقيق على قوللِ الحق، أي : أنا واجب على قول الحق أن أكون أنا قائله والقائمَ به".
قال شارحوه : فالمعنى لو كان قول الحق شخصاً عاقلاً لكنتُ أنا واجباً عليه.


الصفحة التالية
Icon