وأما قوله :﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ فالنزع في اللغة عبارة عن إخراج الشيء عن مكانه فقوله :﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ أي أخرجها من جيبه أو من جناحه، بدليل قوله تعالى :﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ﴾ وقوله :﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ﴾ وقوله :﴿فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين﴾ قال ابن عباس : وكان لها نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض.
واعلم أنه لما كان البياض كالعيب بين الله تعالى في غير هذه الآية أنه كان من غير سوء.
فإن قيل : بم يتعلق قوله :﴿للناظرين ﴾.
قلنا : يتعلق بقوله :﴿بَيْضَاء﴾ والمعنى : فإذا هي بيضاء للنظارة، ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة يجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع النظارة للعجائب.
وبقي ههنا مباحث : فأولها : أن انقلاب العصا ثعباناً، من كم وجه يدل على المعجز ؟ والثاني : أن هذا المعجز كان أعظم أم اليد البيضاء ؟ وقد استقصينا الكلام في هذين المطلوبين في سورة طه.
والثالث : أن المعجز الواحد كان كافياً، فالجمع بينهما كان عبثاً.
وجوابه : أن كثرة الدلائل توجب القوة في اليقين وزوال الشك، ومن الملحدين من قال : المراد بالثعبان وباليد البيضاء شيء واحد، وهو أن حجة موسى عليه السلام كانت قوية ظاهرة قاهرة، فتلك الحجة من حيث إنها أبطلت أقوال المخالفين، وأظهرت فسادها، كانت كالثعبان العظيم الذي يتلقف حجج المبطلين، ومن حيث كانت ظاهرة في نفسها، وصفت باليد البيضاء، كما يقال في العرف : لفلان يد بيضاء في العلم الفلاني.
أي قوة كاملة، ومرتبة ظاهرة.
واعلم أن حمل هذين المعجزين على هذا الوجه يجري مجرى دفع التواتر وتكذيب الله ورسوله.
ولما بينا أن انقلاب العصا حية أمر ممكن في نفسه، فأي حامل يحملنا على المصير إلى هذا التأويل ؟. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٥٧ ـ ١٦٠﴾


الصفحة التالية
Icon