قوله تعالى :﴿ وجاء السحرة فرعون ﴾ يعني لما اجتمعوا وجاؤوا إلى فرعون ﴿ قالوا إن لنا لأجراً ﴾ يعني جعلاً وعطاء تكرمنا به ﴿ إن كنا نحن الغالبين ﴾ يعني لموسى قال الإمام فخر الدين الرازي : ولقائل أن يقول كان حق الكلام أن يقول وجاء السحرة فرعون فقالوا بالفاء وجوابه هو على تقدير سائل سأل ما قالوا إذا جاؤوا فأجيب بقوله قالوا أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين يعني لموسى ﴿ قال نعم ﴾ يعني : قال لهم فرعون لكم الأجر والعطاء ﴿ وإنكم لمن المقربين ﴾ يعني ولكم المنزلة الرفيعة عندي مع الأجر والمعنى أن فرعون قال للسحرة إني لا أقتصر معكم على الأجر بل أزيدكم عليه وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين عندي، قال الكلبي : تكونوا أول من يدخل عليّ وآخر من يخرج من عندي ﴿ قالوا ﴾ يعني السحرة ﴿ يا موسى إما أن تلقي ﴾ يعني عصاك ﴿ وإما أن نكون نحن الملقين ﴾ يعني عصيّنا وحبالنا في هذه الآية دقيقة لطيفة وهي أن السحرة راعوا مع موسى عليه الصلاة والسلام حسن الأدب حيث قدموه على أنفسهم في الإلقاء لا جرم أن الله عز وجل عوضهم حيث تأدبوا مع نبيه موسى ﷺ أن منَّ عليهم بالإيمان والهداية ولما راعوا الأدب أولاً وأظهروا ما يدل على رغبتهم في ذلك ﴿ قال ﴾ يعني قال لهم موسى ﴿ ألقوا ﴾ يعني أنتم فقدمهم على نفسه في الإلقاء.
فإن قلت كيف جاز لموسى أن يأمر بالإلقاء وقد علم انه سحر وفعل السحر غير جائز؟
قلت : ذكر العلماء رحمهم الله تعالى في أجوبة أحدها أن معناه إن كنتم محقين في فعلكم فألقوا وإلا فلا تلقوا.
الجواب الثاني : إنما أمرهم بالإلقاء لتظهر معجزته لأنهم إذا لم يلقوا حبالهم وعصيهم لم تظهر معجزة موسى في عصاه.


الصفحة التالية
Icon