ذلك أنه إذا اتضح أن هذا الداعية إلى ربوبية رب العالمين كاذب في دعواه ؛ سقطت دعوته، وهان أمره ؛ ولم يعد لهذه الدعوة الخطيرة من خطر - وصاحبها دعيّ لا بينة عنده ولا دليل!
ولكن موسى يجيب :
﴿ فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ﴾..
إنها المفاجأة! إن العصا تنقلب ثعباناً لا شك في ثعبانيته.. ﴿ مبين ﴾.. وكما قيل في سورة أخرى :﴿ فإذا هي حية تسعى ﴾ ثم إن يده السمراء - وقد كان موسى عليه السلام " آدم " أي مائلاً إلى السمرة - يخرجها من جيبه فإذا هي بيضاء من غير سوء، بيضاء ليست عن مرض، ولكنها المعجزة، فإذا أعادها إلى جيبه عادت سمراء!
هذه هي البينة والآية على الدعوى التي جاء بها موسى.
. إني رسول من رب العالمين.
ولكن هل يستسلم فرعون وملؤه لهذه الدعوى الخطيرة؟ هل يستسلمون لربوبية رب العالمين؟ وعلام إذن يقوم عرش فرعون وتاجه وملكه وحكمه؟ وعلام يقوم الملأ من قومه ومراكزهم التي هي من عطاء فرعون ورسمه وحكمه؟
علام يقوم هذا كله إن كان الله هو ﴿ رب العالمين ﴾ ؟
إنه إن كان الله هو ﴿ رب العالمين ﴾ فلا حكم إلا لشريعة الله، ولا طاعة إلا لأمر الله.. فأين يذهب شرع فرعون وأمره إذن، وهو لا يقوم على شريعة الله ولا يرتكن إلى أمره؟.. إن الناس لا يكون لهم ﴿ رب ﴾ آخر يعبدهم لحكمه وشرعه وأمره، إن كان الله هو ربهم.. إنما يخضع الناس لشرع فرعون وأمره حين يكون ربهم هو فرعون. فالحاكم - بأمره وشرعه - هو رب الناس. وهم في دينه أياً كان!
كلا! إن الطاغوت لا يستسلم هكذا من قريب. ولا يسلم ببطلان حكمه وعدم شرعية سلطانه بمثل هذه السهولة!
وفرعون وملؤه لا يخطئون فهم مدلول هذه الحقيقة الهائلة التي يعلنها موسى. بل إنهم ليعلنونها صريحة. ولكن مع تحويل الأنظار عن دلالتها الخطيرة، باتهام موسى بأنه ساحر عليم :
﴿ قال الملأ من قوم فرعون : إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم. فماذا تأمرون؟ ﴾..


الصفحة التالية
Icon