وكانت أرض مصر تموج بالكهنة في شتى المعابد. وكان الكهنة هم الذين يزاولون أعمال السحر. ففي الوثنيات كلها تقريباً يقترن الدين بالسحر ؛ ويزاول السحر كهنة الديانات وسدنة الآلهة! وهذه الظاهرة هي التي يلتقطها " علماء الأديان! " فيتحدث بعضهم عن السحر كمرحلة من مراحل تطور العقيدة! ويقول الملحدون منهم : إن الدين سيبطل كما بطل السحر! وإن العلم سينهي عهد الدين كما أنهى عهد السحر!.. إلى آخر هذا الخبط الذي يسمونه :" العلم "!
وقد استقر رأي الملأ من قوم فرعون، على أن يرجئ فرعون موسى إلى موعد. وأن يرسل في أنحاء البلاد من يجمع له كبار السحرة. ذلك ليواجهوا " سحر موسى " - بزعمهم - بسحر مثله.
وعلى كل ما عرف من طغيان فرعون، فقد كان في تصرفه هذا أقل طغياناً من طواغيت كثيرة في القرن العشرين ؛ في مواجهة دعوة الدعاة إلى ربوبية رب العالمين! وتهديد السلطان الباطل بهذه الدعوة الخطيرة!
ويطوي السياق القرآني إجراء فرعون وملئه في جمع السحرة من المدائن ؛ ويسدل الستار على المشهد الأول، ليرفعه على المشهد التالي.. وذلك من بدائع العرض القرآني للقصص، كأنه واقع منظور، لا حكاية تروى!
﴿ وجاء السحرة فرعون، قالوا : إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟ قال : نعم، وإنكم لمن المقربين ﴾..
إنهم محترفون... يحترفون السحر كما يحترفون الكهانة! والأجر هو هدف الاحتراف في هذا وذاك! وخدمة السلطان الباطل والطاغوت الغالب هي وظيفة المحترفين من رجال الدين! وكلما انحرفت الأوضاع عن إخلاص العبودية لله، وإفراده - سبحانه - بالحاكمية ؛ وقام سلطان الطاغوت مقام شريعة الله، احتاج الطاغوت إلى هؤلاء المحترفين، وكافأهم على الاحتراف، وتبادل وإياهم الصفقة : هم يقرون سلطانه باسم الدين! وهو يعطيهم المال ويجعلهم من المقربين!