ولكن الطواغيت المتجبرين لا يدركون كيف يتسرب النور إلى قلوب البشر ؛ ولا كيف تمازجها بشاشة الإيمان ؛ ولا كيف تلمسها حرارة اليقين. فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب - وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقبلها كيف يشاء -.. ومن ثم فوجئ فرعون بهذا الإيمان المفاجئ الذي لم يدرك دبيبه في القلوب ولم يتابع خطاه في النفوس ؛ ولم يفطن إلى مداخله في شعاب الضمائر.. ثم هزته المفاجأة الخطيرة التي تزلزل العرش من تحته : مفاجأة استسلام السحرة - وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين. رب موسى وهارون. بعد أن كانوا مجموعين لإبطال دعوة موسى وهارون إلى رب العالمين!.. والعرش والسلطان هما كل شيء في حياة الطواغيت.. وكل جريمة يمكن أن يرتكبوها بلا تحرج في سبيل المحافظة على الطاغوت :
﴿ قال فرعون : آمنتم به قبل أن آذن لكم! إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها. فسوف تعلمون. لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، ثم لأصلبنكم أجمعين ﴾..
هكذا.. ﴿ آمنتم به قبل أن آذن لكم! ﴾.. كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن تنتفض قلوبهم للحق - وهم أنفسهم لا سلطان لهم عليها - أو يستأذنوه في أن ترتعش وجداناتهم - وهم أنفسهم لا يملكون من أمرها شيئاً - أو يستأذنوه في أن تشرق أرواحهم - وهم أنفسهم لا يمسكون مداخلها. أو كأنما كان عليهم أن يدفعوا اليقين وهو ينبت من الأعماق. أو أن يطمسوا الإيمان وهو يترقرق من الأغوار. أو أن يحجبوا النور وهو ينبعث من شعاب اليقين!
ولكن الطاغوت جاهل غبي مطموس ؛ وهو في الوقت ذاته متعجرف متكبر مغرور!
ثم إنه الفزع على العرش المهدد والسلطان المهزوز :
﴿ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ﴾..