وخالق ذلك الموجب هو الله تعالى فكان ذلك الفعل والأثر مسنداً إلى الله تعالى، والله أعلم.
المسألة الثالثة :
أنه تعالى ذكر أولاً أنهم صاروا ساجدين، ثم ذكر بعده أنهم قالوا :﴿ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾ فما الفائدة فيه مع أن الأيمان يجب أن يكون متقدماً على السجود ؟ وجوابه من وجوه : الأول : أنهم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا لله تعالى في الحال، وجعلوا ذلك السجود شكراً لله تعالى على الفوز بالمعرفة والإيمان، وعلامة أيضاً على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان، وإظهار الخضوع والتذلل لله تعالى فكأنهم جعلوا ذلك السجود الواحد علامة على هذه الأمور الثلاثة على سبيل الجمع.
الوجه الثاني : لا يبعد أنهم عند الذهاب إلى السجود قالوا :﴿ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾ وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل والوجه الصحيح هو الأول.
المسألة الرابعة :
احتج أهل التعليم بهذه الآية فقالوا : الدليل على أن معرفة الله لا تحصل إلا بقول النبي أن أولئك السحرة لما قالوا :﴿ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾ لم يتم إيمانهم فلما قالوا :﴿رَبِّ موسى وهارون﴾ تم إيمانهم وذلك يدل على قولنا.
وأجاب العلماء عنه : بأنهم لما قالوا :﴿ءِامَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾ قال لهم فرعون إياي تعنون فلما قالوا :﴿رَبِّ موسى﴾ قال إياي تعنون لأني أنا الذي ربيت موسى فلما قالوا :﴿وهارون﴾ زالت الشبهة، وعرف الكل أنهم كفروا بفرعون وآمنوا بإله السماء، وقيل إنما خصهما بالذكر بعد دخولهما في جملة العالمين لأن التقدير آمنا برب العالمين، وهو الذي دعا إلى الإيمان به موسى وهرون.
وقيل : خصهما بالذكر تفضيلاً وتشريفاً كقوله :﴿وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال﴾ [ البقرة : ٩٨ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٦٧ ـ ١٦٩﴾