وقال ابن عاشور :
والفاء في قوله :﴿ فإذا جاءتهم الحسنة ﴾ لتفريع هذا الخبر على جملة ﴿ أخذنا آل فرعون بالسنين ﴾ أي : فكان حالهم إذا جاءتهم الحسنة الخ...
والمعنى : فلم يتذكروا ولكنهم زادوا كفراً وغروراً.
والمجيء : الحصول والإصابة، وإنما عبر في جانب الحسنة بالمجيء لأن حصولها مرغوب، فهي بحيث تُترقب كما يُترقَب الجائي، وعبر في جانب السيئة بالإصابة لأنها تحصل فجأة من غير رغبة ولا ترقب.
وجيء في جانب الحسنة بإذا الشرطية لأن الغالب في ( إذا ) الدلالة على اليقين بوقوع الشرط أو ما يقرب من اليقين كقولك : إذا طلعت الشمس فعلتُ كذا، ولذلك غلب أن يكون فعل الشرط مع ( إذا ) فعلاً ماضياً لكون الماضي أقرب إلى اليقين في الحصول من المستقبل، كما في الآية، فالحسنات أي : النعم كثيرة الحصول تنتابهم متوالية من صحة وخصب ورخاء ورفاهية.
وجيء في جانب السيئة بحرف ( إنْ ) لأن الغالب أن تدل ( إنْ ) على التردد في وقوع الشرط، أو على الشك، ولكون الشيء النادر الحصول غير مجزوم بوقوعه، ومشكوكاً فيه، جيء في شرط إصابة السيئة بحرف ( إنْ ) لندرة وقوع السيئات أي : المكروهات عليهم، بالنسبة إلى الحسنات، أي : النعم، وفي ذلك تعريض بأن نعم الله كانت متكاثرة لديهم وأنهم كانوا معرضين عن الشكر، وتعريض بأن إصابتهم بالسيئات نادرة وهم يعدون السيئات من جراء موسى ومن آمن معه، فهم في كلتا الحالتين بين كافرين بالنعمة وظالمين لموسى ومن معه، ولهذين الاعتبارين عُرفت الحسنة تعريف الجنس المعروف في علم المعاني بالعهد الذهني، أي : جاءتهم الحسنات، لأن هذا الجنس محبوب مألوف كثير الحصول لديهم، ونكرت ﴿ سيئة ﴾ لندرة وقوعها عليهم، ولأنها شيء غير مألوف حلوله بهم، أي : وإن تصبهم آية سيئة، كذا في "الكشاف" و"المفتاح".


الصفحة التالية
Icon