واعْلم أن التفرقة بين تعريف الجنس والتنكير من لطائف الاستعمال البَلاغي، كما أشرنا إليه في قوله تعالى :﴿ الحمد لله ﴾ في سورة الفاتحة ( ٢ )، وأما من جهة مُفاد اللفظ، فالمعرف بلام الجنس والمنكرة سواء، فلا تظن أن اللام للعهد لحسنة معهودة ووقوع المعرف بلام الجنس والنكرة في سياق الشرط، في هذه الآية يعم كل حسنة وكل سيئة.
والحسنة والسيئة هنا مراد بهما الحالة الحسنة والحالة السيئة.
واللام في قوله ﴿ لنا ﴾ هذه لام الاستحقاق أي : هذه الحسنة حق لنا، لأنهم بغرورهم يحسبون أنهم أحرياء بالنعم، أي : فلا يرون تلك الحسنة فضلاً من الله ونعمة.
﴿ ويَطَيّرُوا ﴾ أصله يتَطيروا، وهو تَفَعّلُ، مشتق من اسم الطَيْرِ، كأنهم صاغوه على وزن التفعّل لما فيه من تكلف معرفة حظ المرء بدلالة حركات الطير، أو هو مطاوعة سمي بها ما يحصل من الانفعال من إثر طيران الطير.
وكان العرب إذا خرجوا في سفر لحاجة، نظروا إلى ما يلاقيهم أول سيرهم من طائر، فكانوا يزعمون أن في مروره علامات يُمن وعلاماتتِ شُؤم، فالذي في طيرانه علامة بُمنٍ في إصطلاحهم يسمونه السانح، وهو الذي ينهض فيطير من جهة اليمين للسائر والذي علامته الشؤم هو البَارح وهو الذي يمر على اليسار، وإذا وجد السائر طيراً جاثماً آثاره لينظر أي جهة يطير، وتسمى تلك الإثارة زجراً، فمن الطير ميمون ومنه مشؤوم والعرب يدْعُون للمسافر بقولهم "على الطائر الميمون"، ثم غلب استعمال لفظ التطير في معنى التشاؤم خاصة، يقال الطيرة أيضاً، كما في الحديث
" لا طيرة وإنما الطيرَة على من تطيّر " أي : الشؤم يقع على من يتشاءم، جعل الله ذلك عقوبة له في الدنيا لسوء ظنه بالله، وإنما غلب لفظ الطيرة على التشاؤم لأن للأثر الحاصل من دلالة الطيران على الشؤم دلالة أشد على النفس، لأن توقع الضر أدخل في النفوس من رجاء النفع.


الصفحة التالية
Icon