فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه :﴿عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ [ الأعراف : ١٢٩ ] لا جرم بدأ ههنا بذكر ما أنزله بفرعون وبقومه من المحن حالاً بعد حال، إلى أن وصل الأمر إلى الهلاك تنبيهاً للمكلفين على الزجر عن الكفر والتمسك بتكذيب الرسل، خوفاً من نزول هذه المحن بهم.
فقال :﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
السنين جميع السنة قال أبو علي الفارسي : السنة على معنيين : أحدهما : يراد بها الحول والعام والآخر يراد بها الجدب وهو خلاف الخصب فمما أريد به الجدب هذه الآية وقوله ﷺ :" اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف " وقول عمر رضي الله عنه : إنا لا نقع في عام السنة، فلما كانت السنة يعني بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتق من الجدب.
ويقال : أسنتوا، كما يقال أجدبوا.
قال الشاعر :
ورجال مكة مسنتون عجاف.. قال أبو زيد : بعض العرب تقول، هذه سنين ورأيت سنيناً، فتعرب النون.
ونحوه.
قال الفراء : ومنه قول الشاعر :
دعاني من نجد فإن سنينه.. لعبن بنا وشيبننا مردا
قال الزجاج : السنين في كلام العرب الجدوب، يقال مستهم السنة ومعناه : جدب السنة.
وشدة السنة.
إذا عرفت هذا فنقول : قال المفسرون :﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين﴾ يريد الجوع والقحط عاماً بعد عام، فالسنون لأهل البوادي ﴿وَنَقْصٍ مّن الثمرات﴾ لأهل القرى.
ثم قال تعالى :﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :