فإما أن يقال إن موسى عليه السلام حصل له هذا العلم أو لم يحصل له هذا العلم.
فإن كان الأول كان تجويزه لكونه تعالى مرئياً، يوجب تجويز كونه تعالى حاصلاً في الحيز والجهة، وتجويز هذا المعنى على الله تعالى يوجب الكفر عند المعتزلة، فيلزمهم كون موسى عليه السلام كافراً، وذلك لا يقوله عاقل.
وإن كان الثاني فنقول : لما كان العلم بأن كل مرئي يجب أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل علماً بديهياً ضرورياً، ثم فرضنا أن هذا العلم ما كان حاصلاً لموسى عليه السلام، لزم أن يقال إن موسى عليه السلام لم يحصل فيه جميع العلوم الضرورية، ومن كان كذلك فهو مجنون، فيلزمهم الحكم بأنه عليه السلام، ما كان كامل العقل بل كان مجنوناً وذلك كفر بإجماع الأمة، فثبت أن القول بأن موسى عليه السلام، ما كان عالماً بامتناع الرؤية مع فرض أنه تعالى ممتنع الرؤية يوجب أحد هذين القسمين الباطلين، فكان القول به باطلاً والله أعلم.
وأما التأويل الثاني : وهو أنه عليه السلام إنما سأل الرؤية لقومه لا لنفسه، فهو أيضاً فاسد ويدل عليه وجوه : الأول : أنه لو كان الأمر كذلك لقال موسى : أرهم ينظروا إليك، ولقال الله تعالى : لن يروني، فلما لم يكن كذلك، بطل هذا التأويل.
والثاني : أنه لو كان هذا السؤال طلباً للمحال، لمنعهم عنه كما أنهم لما قالوا :﴿اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] منعهم عنه بقوله :﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] والثالث : أنه كان يجب على موسى إقامة الدلائل القاطعة على أنه تعالى لا تجوز رؤيته، وأن يمنع قومه بتلك الدلائل عن هذا السؤال، فأما أن لا يذكر شيئاً من تلك الدلائل ألبتة، مع أن ذكرها كان فرضاً مضيقاً، كان هذا نسبة لترك الواجب إلى موسى عليه السلام، وأنه لا يجوز.
والرابع : أن أولئك الأقوام الذين طلبوا الرؤية، إما أن يكونوا قد آمنوا بنبوة موسى عليه السلام.