وقال ابن عطية :
ثم إن الله تعالى قرر موسى على آلائه عنده على جهة الإخبار وقنعه بها وأمره بالشكر عليها وكأنه قال ولا تتعدها إلى غيرها، و" اصطفى " أصله اصتفى وهو افتعل من صفا يصفو انقلبت التاء طاء لمكان الصاد، ومعناه تخيرتك وخصصتك، ولا تستعمل إلا في الخير والمتن، لا يقال اصطفاه لشر، وقوله ﴿ على الناس ﴾ عام والظاهر من الشريعة أن موسى مخصص بالكلام وإن كان قد روي في تكليم الله غيره أشياء بما يشاء من أعظمها أن رسول الله ﷺ سئل عن آدم فقال هو نبي مكلَّم.
قال القاضي أبو محمد : إلا أن ذلك قد تأول أنه كان في الجنة فيتحفظ على هذا تخصيص موسى، ويصح أن يكون قوله ﴿ على الناس ﴾ عموماً مطلقاً في مجموع الدرجتين الرسالة والكلام. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن عامر " برسالاتي " على الجمع إذ الذي أرسل به ضروب، وقرأ ابن كثير ونافع " برسالتي " على الإفراد الذي يراد به الجمع وتحل الرسالة هاهنا محل المصدر الذي هو الإرسال، وقرأ جمهور الناس و" بكلامي "، وقرأ أبو رجاء " برسالتي وبكلمتي "، وقرأ الأعمش " برسالاتي وبكلمي "، وحكى عنه المهدوي " وتكليمي " على وزن تفعيلي، وقوله ﴿ فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ﴾ تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله، فإن جميع النعم من عنده بمقدار وكل الأمور بمرأى من الله ومسمع. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon