قوله تعالى ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (١٤٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان ذلك كله مما يتعجب الموفق من ارتكابه، أعقبه تعالى مبيناً ومصوراً ومحققاً لوقوعه ومقرراً قوله عطفاً على ﴿فأتوا على قوم يعكفون﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] مبيناً لإسراعهم في الكفر :﴿واتخذ﴾ أي بغاية الرغبة ﴿قوم موسى﴾ أي باتخاذ السامري ورضاهم، ولم يعتبروا شيئاً مما أتاهم به من تلك الآيات التي لم ير مثلها ﴿من بعده﴾ أي بعد إبطائه عنهم بالعشرة الأيام التي أتممنا بها الأربعين ﴿من حليهم﴾ أي التي كانت معهم من مالهم ومما استعاروه من القبط ﴿عجلاً﴾ ولما كان العجل اسماً لولد البقر، بين أنه إنما يشبه صورته فقط، فقال مبدلاً منه :﴿جسداً ﴾.
ولما كان الإخبار بأنه جسد مفهماً لأنه خال مما يشبه الناشىء عن الروح، قال ﴿له خوار﴾ أي صوت كصوت البقر، والمعنى أنه لا أضل ولا أعمى من قوم كان معهم حلي أخذوه ممن كانوا يستعبدونهم ويؤذونهم وهم مع ذلك أكفر الكفرة فكان جديراً بالبغض لكونه من آثار الظالمين الأعداء فاعتقدوا انه بالصوغ صار إلهاً وبالغوا في حبه والعبودية له وهو جسد يرونه ويلمسونه، ونبيهم الذي هداهم الله به واصطفاه لكلامه يسأل رؤية الله فلا يصل إليها.


الصفحة التالية
Icon