مِنْ قَوَّمِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، كَمَا صَرَفْتُ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ عَنْ آيَاتِي
الَّتِي آتَيْتُهَا رَسُولِي
مُوسَى - وَالتَّكَبُّرُ صِيغَةُ تَكَلُّفٍ أَوْ تَكَثُّرٍ مِنَ الْكِبْرِ الَّذِي هُوَ غَمْطُ الْحَقِّ بِعَدَمِ الْخُضُوعِ لَهُ وَاحْتِقَارُ النَّاسِ، فَهُوَ شَأْنُ مَنْ يَرَى أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَخْضَعَ لِحَقٍّ، أَوْ يُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِشَخْصٍ، وَالْأَصْلُ الْغَالِبُ فِي التَّكَبُّرِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقَدْ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَتَكَلَّفَ الْإِنْسَانُ إِعْلَاءَ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ إِكْثَارَهُ مِنَ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَالتَّرَفُّعِ عَنِ الْمُبْطِلِينَ، وَإِهَانَةِ الْجَبَّارِينَ، وَاحْتِقَارِ الْمُحَارِبِينَ، فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : بِغَيْرِ الْحَقِّ يَكُونُ عَلَى هَذَا صِلَةً لِلتَّكَبُّرِ، وَهُوَ قَيْدٌ لَهُ، وَإِلَّا كَانَ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، أَوِ الْمَعْنَى : أَنَّهُ يَتَكَبَّرُونَ حَالَةَ كَوْنِهِمْ مُتَلَبِّسِينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَيْ مُنْغَمِسِينَ فِي الْبَاطِلِ، فَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ لَا قِيمَةَ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِهِ عِنْدَهُمْ، فَهُمْ لَا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَبْحَثُونَ عَنْهُ، وَقَدْ تَظْهَرُ لَهُمْ آيَاتُهُ وَيَجْحَدُونَهَا وَهُمْ بِهَا مُوقِنُونَ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي آلِ فِرْعَوْنَ : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (٢٧ : ١٤) وَقَالَ فِي طُغَاةِ قُرَيْشٍ : فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦ : ٣٣).


الصفحة التالية
Icon