ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ يَعْنِي أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَمْ يَخْلُقْهُمْ مَطْبُوعِينَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ طَبْعًا، وَلَمْ يَجْبُرْهُمْ وَيُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ إِكْرَاهًا، بَلْ كَانَ ذَلِكَ بِكَسْبِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ لِلتَّكْذِيبِ بِآيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَقِّ، وَالصُّدُودِ عَنْ سَبِيلِهِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الرُّشْدِ، وَكَانُوا غَافِلِينَ عَنْهَا دُونَ أَهْوَائِهِمْ لَا يُعْطُونَهَا حَقَّهَا مِنَ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ وَالتَّدَبُّرِ، لِاشْتِغَالِهِمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَهْوَائِهِمْ وَعُصْبَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِآبَائِهِمْ، وَبِذَلِكَ قَطَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَرِيقَ الْهُدَى، فَالْغَفْلَةُ هُنَا : هِيَ الْغَفْلَةُ الْمَطْبُوعَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ وَالْفِطْنَةِ، لَا أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَفْلَةِ، بَلْ هِيَ الْمُبَيَّنَةُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - مِنْ أَوَاخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ : وَلَقَدْ ذَرَأَنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ


الصفحة التالية
Icon