وتوبتهم واستغفار نبي الله تعالى وهل قبل الله تعالى توبتهم؟ فأجاب ﴿ إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ ﴾ أي نقم قبل توبة موسى وأخيه وغفر لهما خاصة وكان من تمام توبة القوم أن الله سبحانه أمرهم بقتل أنفسهم فسلموها للقتل، فوضع الذين اتخذوا العجل موضع القوم إشعاراً بالعلية.
وتعقب بأن سياق النظم الكريم وكذا سباقه ناب عن ذلك نبواً ظاهراً كيف لا وقوله تعالى :﴿ وكذلك نَجْزِى المفترين ﴾ ينادي على خلافه فإنهم شهداء تائبون فكيف يمكن وصفهم بعد ذلك بالافتراء وأيضاً ليس يجزي الله تعالى كل المفترين بهذا الجزاء الذي ظاهره قهر وباطنه لطف ورحمة إلا أن يقال : يكفي في صحة التشبيه وجود وجه الشبه في الجملة ولا بد من التزام ذلك على الوجه الذي ذكرناه أيضاً ؛ وما ذكر في تحرير السؤال والجواب مما تمجه أسماع ذوي الألباب.
وقال عطية العوفي : المراد سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد رسول الله ﷺ، وأريد بالغضب والذلة ما أصاب بني النضير وقريظة من القتل والجلاء، أو ما أصابهم من ذلك ومن ضرب الجزية عليهم، وفي الكلام على هذا حذف مضاف وهو الأولاد، ويحتمل أن لا يكون هناك وهو من تعيير الأبناء بما فعل الآباء، ومثله في القرآن كثير.
وقيل : المراد بالموصول المتخذون حقيقة وبالضمير في ينالهم أخلافهم وبالغضب الغضب الأخروي وبالذلة الجزية التي وضعها الإسلام عليهم أو الأعم منها ليشمل ما ضربه بختنصر عليهم.
وتعقب ذلك أيضاً بأنه لا ريب في أن توسيط حال هؤلاء في تضاعيف بيان حال المتخذين من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه، والمراد بالمفترين المفترون على الله تعالى، وافتراء أولئك عليه سبحانه قول السامري في العجل ﴿ هذا إلهكم وإله موسى ﴾ [ طه : ٨٨ ] ورضاهم به ولا أعظم من هذه الفرية ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم.
وعن سفيان بن عيينة أنه قال : كل صاحب بدعة ذليل وتلا هذه الآية. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon