وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
يجوز أن قوله :﴿ إن الذين اتخذوا العجل ﴾ إلى قوله :﴿ الدنيا ﴾ من تمام كلام موسى، فبعد أن دعا لأخيه بالمغفرة أخبر أن الله غضب على الذين عبدوا العجل.
وأنه سيظهر أثر عضبه عليهم، وستنالهم ذلة في الدنيا وذلك بوحي تلقاه، وانتهى كلام موسى عند قوله :﴿ في الحياة الدنيا ﴾، وأن جملة :﴿ وكذلك نجزي المفترين ﴾ خطاب من جانب الله في القرآن، فهو اعتراض والواو اعتراضية ذيل الله بهذا الاعتراض حكاية كلام موسى فأخبر بأنه يجازي كل مفتر بمثل ما أخبر به موسى عن مفتري قومه، وأن جملة :﴿ والذين عملوا السيئات ﴾ إلى آخر الآية تكملة للفائدة ببيان حالة أضداد المتحدث عنهم وعن أمثالهم.
ويجوز أن تكون جملة :﴿ إن الذين اتخذوا العجل ﴾ إلى آخرها خطاباً من الله لموسى، جواباً عن دعائه لأخيه بالمغفرة بتقدير فعللِ قول محذوف : أي قلنا إن الذين اتخذوا العجل إلى آخره، مثل ما حكى الله تعالى عن إبراهيم في قوله تعالى :﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ] الآية.
و﴿ ينالهم ﴾ يصيبهم.
والنول والنّيْل : الأخذُ وهو هنا استعارة للإصابة والتلبس كما في قوله تعالى :﴿ أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ﴾ في هذه السورة ( ٣٧ )، والذين اتخذوا العجل هم الذين عبدوه فالمفعول الثاني ﴿ لاتخذوا ﴾ محذوف اختصاراً، أي اتخذوه إلاهاً.
وتعريفهم بطريق الموصولية، لأنها أخصر طريق في استحضارهم بصفة عرفوا بها، ولأنه يؤذن بسببية ما نالهم من العقاب، والمراد بالغضب ظهور أثره من الخذلان ومنع العناية، وأما نفس الغضب فهو حاصل في الحال.
وغضب الله تعالى إرادته السوء بعبده وعقابه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما.


الصفحة التالية
Icon