وقال صاحب المنار فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ﴾
ذُكِرَ فِي أَوَّلِ مَادَّةِ " أ س ف " مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْأَسَفَ شِدَّةُ الْحُزْنِ وَالْغَضَبِ، وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَشْتَرِطُونَ شِدَّتَهُمَا، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ : أَسِفَ أَسَفًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَحَزِنَ وَتَلَهَّفَ فَهُوَ أَسِفَ مِثْلَ تَعِبَ، وَأَسِفَ مِثْلَ غَضِبَ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ : آسَفْتُهُ، وَقَالَ الرَّاغِبُ : الْأَسَفُ ؛ الْحُزْنُ وَالْغَضَبُ مَعًا، وَقَدْ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، وَحَقِيقَتُهُ : ثَوَرَانُ دَمِ الْقَلْبِ بِشَهْوَةِ الِانْتِقَامِ، فَمَتَى كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُونَهُ انْتَشَرَ فَصَارَ غَضَبًا، وَمَتَى كَانَ عَلَى مَنْ فَوْقِهِ انْقَبَضَ فَصَارَ حُزْنًا ؛ وَلِذَلِكَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْحُزْنِ وَالْغَضَبِ، فَقَالَ : مَخْرَجَهُمَا وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ، فَمَنْ نَازَعَ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ أَظْهَرَ غَيْظًا وَغَضَبًا، وَمَنْ نَازَعَ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ أَظْهَرَ حُزْنًا وَجَزَعًا، وَبِهَذَا النَّظَرِ قَالَ الشَّاعِرُ :
فَحُزْنُ كُلِّ أَخِي حُزْنٍ أَخُو الْغَضَبِ