وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ والذين عملوا السيئات ثم تابوا ﴾ الآية
اعتراض بأنهم إن تابوا وآمنوا يغفر الله لهم على عادة القرآن من تعقيب التهديد بالترغيب، والمغفرة ترجع إلى عدم مؤاخذتهم بذنوبهم في عقاب الآخرة، وإلى ارتفاع غضب الله عنهم في المستقبل، والمراد بالسيئات : ما يشمل الكفر، وهو أعظم السيّئات.
والتوبةُ منه هي الإيمان.
وفي قوله :﴿ من بعدها ﴾ في الموضعين حذف مضاف قبل ما أضيفت إليه ( بَعْد ) وقد شاع حذفهُ دل عليه ﴿ عملوا ﴾ أي من بَعد عَملها، وقد تقدم الكلام على حذف المضاف مع ( بعد ) و ( قبل ) المضافين إلى مضاف للمضاف إليه عند قوله تعالى :﴿ ثم اتخذتم العجل من بعده ﴾ في سورة البقرة ( ٥١ ).
وحرف ( ثم ) هنا مفيد للتراخي، وذلك إلجاء إلى قبول التوبة، ولو بعد زمان طويل مملوء بفعل السيّئات.
وقوله :﴿ من بعدها ﴾ تأكيد لمفاد المهلة التي أفادها حرف ( ثم ) وهذا تعريض للمشركين بأنهم إن آمنوا يغفر لهم ولو طال أمد الشرك عليهم.
وعطف الإيمان على التوبة، مع أن التوبة تشمله من حيث إن الإيمان توبة من الكفر، إما للاهتمام به، لأنه أصل الاعتداد بالأعمال الصالحة عند الله تعالى كقوله :﴿ وما أدراك ما العقبة فكّ رقبة إلى قوله : ثم كان من الذين آمنوا ﴾ [ البلد : ١٢ ١٧ ].
ولئلا يظن أن الإشراك لخطورته لا تنجي منه التوبة.
وإما أن يراد بالإيمان إيمان خاص، وهو الإيمان بإخلاص، فيشمل عمل الواجبات.
والخطاب في قوله :﴿ إن ربك ﴾ لمحمد ﷺ على الوجه الأظهر، أو لموسى على جعل قوله :﴿ إن الذين اتخذوا العجل ﴾ مقولاً من الله لموسى.
وفي تعريف المسند إليه بالإضافة توسل إلى تشريف المضاف إليه بأنه مربوب لله تعالى، وفي ذكر وصف الربوبية هنا تمهيد لوصف الرحمة.


الصفحة التالية
Icon