وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب ﴾
أي سكن.
وكذلك قرأها معاوية بن قُرَّة "سكن" بالنون.
وأصل السكوت السكون والإمساك ؛ يقال : جرى الوادي ثلاثاً ثم سكن، أي أمسك عن الجَرْي.
وقال عِكْرمة : سكت موسى عن الغضب ؛ فهو من المقلوب.
كقولك : أدخلت الأصبع في الخاتم، وأدخلت الخاتم في الأصبع.
وأدخلت القَلَنْسُوَة في رأسي، وأدخلت رأسي في القلنسوة.
﴿ أَخَذَ الألواح ﴾ التي ألقاها.
﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾ أي "هُدًى" من الضلالة ؛ "وَرَحْمَةٌ" أي من العذاب.
والنسخ : نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر.
ويقال للأصل الذي كتبتَ منه : نسخة، وللفرع نسخة.
فقيل : لما تكسّرت الألواح صام موسى أربعين يوماً، فرُدّت عليه وأُعيدت له تلك الألواح في لوحين، ولم يفقد منها شيئاً ؛ ذكره ابن عباس.
قال القُشَيْرِيّ : فعلى هذا "وَفِي نُسْخَتهَا" أي وفيما نسخ من الألواح المتكسّرة ونُقل إلى الألواح الجديدة هدًى ورحمةٌ.
وقال عطاء : وفيما بقي منها.
وذلك أنه لم يبق منها إلا سبعها، وذهب ستّة أسباعها.
ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء.
وقيل : المعنى "وَفِي نُسْخَتَها" أي وفيما نُسخ له منها من اللوح المحفوظ هُدًى.
وقيل : المعنى وفيما كتب له فيها هدًى ورحمةٌ، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه.
وهذا كما يقال : انسخْ ما يقول فلان، أي اثبته في كتابك.
قوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ أي يخافون.
وفي اللام ثلاثة أقوال : قول الكوفيين هي زائدة.
قال الكِسائِيّ : حدّثني من سمِع الفرزدق يقول : نقدت لها مائة درهم، بمعنى نقدتها.
وقيل : هي لام أجْل ؛ المعنى : والذين هم من أجل ربّهم يرهبون لا رياء ولا سمعة ؛ عن الأخفش.
وقال محمد بن يزيد : هي متعلقة بمصدر ؛ المعنى : للذين هم رهبتهم لربهم.


الصفحة التالية