فصل


قال الفخر :
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن قوله :﴿وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غضبان أَسِفًا﴾ لا يمنع من أن يكون قد عرف خبرهم من قبل في عبادة العجل، ولا يوجب ذلك لجواز أن يكون عند الرجوع ومشاهدة أحوالهم صار كذلك، فلهذا السبب اختلفوا فيه فقال قوم : إنه عند هجومه عليهم عرف ذلك.
وقال أبو مسلم : بل كان عارفاً بذلك من قبل، وهذا أقرب، ويدل عليه وجوه : الأول : أن قوله تعالى :﴿وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غضبان أَسِفًا﴾ يدل على أنه حال ما كان راجعاً كان غضبان أسفاً، وهو إنما كان راجعاً إلى قومه قبل وصوله إليهم، فدل هذا على أنه عليه السلام قبل وصوله إليهم كان عالماً بهذه الحالة.
الثاني : أنه تعالى ذكر في سورة طه أنه أخبره بوقوع تلك الواقعة في الميقات.
المسألة الثانية :
في الأسف قولان : الأول : أن الأسف الشديد الغضب، وهو قول أبي الدرداء وعطاء، عن ابن عباس واختيار الزجاج.
واحتجوا بقوله :﴿فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ﴾ [ الزخرف : ٥٥ ] أي أغضبونا.
والثاني : وهو أيضاً قول ابن عباس والحسن والسدي، إن الآسف هو الحزين.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إن أبا بكر رجل أسيف أي حزين.
قال الواحدي : والقولان متقاربان، لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت، وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت.
فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزناً والأخرى غضباً، فعلى هذا كان موسى غضبان على قومه لأجل عبادتهم العجل، أسفاً حزيناً، لأن الله تعالى فتنهم.
وقد كان تعالى قال له :﴿إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ [ طه : ٨٥ ].


الصفحة التالية
Icon