وانتصاب غضبان وأسفا على الحال، والأسف شديد الغضب.
قيل هو منزلة وراء الغضب أشدّ منه، وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف، قال ابن جرير الطبري : أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا، فلذلك رجع وهو غضبان أسفاً.
﴿ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى ﴾ هذا ذمّ من موسى لقومه، أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي، أي من بعد غيبتي عنكم، يقال خلفه بخير وخلفه بشرّ، استنكر عليهم ما فعلوه، وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده، ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلوّن حالهم واضطراب أفعالهم.
ثم قال منكراً عليهم ﴿ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ ﴾ والعجلة.
التقدّم بالشيء قبل وقته، يقال عجلت الشيء سبقته، وأعجلت الرجل حملته على العجلة، والمعنى : أعجلتم عن انتظار أمر ربكم؟ أي ميعاده الذي وعدنيه، وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم.
وقيل معناه : تعجلتم سخط ربكم.
وقيل معناه : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم.
﴿ وَأَلْقَى الألواح ﴾ أي طرحها لما اعتراه من شدّة الغضب والأسف، حين أشرف على قومه، وهم عاكفون على عبادة العجل.
قوله :﴿ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾ أي أخذ برأس أخيه هارون، أو بشعر رأسه حال كونه يجرّه إليه فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامريّ، ولا غيره ما رآه من عبادة بني إسرائيل للعجل، فقال : هارون معتذراً منه ﴿ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفونى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى ﴾ أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين، استضعافهم لي، ومقاربتهم لقتلي.
وإنما قال ﴿ ابن أمّ ﴾ مع كونه أخاه من أبيه وأمه، لأنها كلمة لين وعطف، ولأنها كانت كما قيل مؤمنة.
وقال الزجاج : قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه.
قرىء ﴿ ابن أمّ ﴾ بفتح الميم تشبيهاً له بخمسة عشر، فصار كقولك يا خمسة عشر أقبلوا.


الصفحة التالية
Icon