نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [ البقرة : ٥٥ ] كما فعل النقباء الاثنا عشر حين أرسلهم لجس أحوال الجبارين فنقص أكثرهم، فأخذتهم الرجفة فماتوا، فخشي موسى عليه السلام أن يتهمه بنو إسرائيل في موتهم كنفس واحدة ﴿فلما أخذتهم﴾ أي أخذ قهر وغلبة ﴿الرجفة﴾ أي التي سببتها الصاعقة التي تقدمت في البقرة، فزلزلت قلوبهم فأماتتهم، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن هؤلاء غير السبعين الذين قالوا ﴿أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة﴾ [ النساء : ١٥٣ ] وأن أولئك كانوا قبل هؤلاء، فالظاهر أن سبب الرجفة ما رأوا عند سماع الكلام من جلال الله وعظيم هيبته من الغمام الذي تغشى الجبل والقتار والبروق وأصوات القرون وغير ذلك بحيث كادت الرجفة - وهي رعدة - تفرق أوصالهم بعضها من بعض ﴿قال﴾ أي موسى تملقاً لربه سبحانه ﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ ﴿لو شئت أهلكتهم﴾ أي أمتّهم.
ولما لم يكن إهلاكهم مستغرقاً للماضي، أدخل الجارفقال :﴿من قبل وإياي﴾ أي قدرتك عليّ وعليهم قبل أن نقترب من هذه الحضرة المقدسة ونحن بحضرة قومنا كقدرتك علينا حين تشرفنا بها، وقد أسبلت علينا ذيل عفوك وأسبغت علينا نعمتك ونحن في غيرالحضرة فلم تهلكنا، فإنعامك علينا ونحن في حضرة القدس وبساط القرب والأنس أولى.
ثم لما كان الحال مقتضياً لأن يقال : ألم تر إلى ما اجترؤوا عليه، وكان كأنه قال : إنما قال ذلك قوم منهم سفهاء، دل على ذلك بقوله استعطافاً :﴿أتهلكنا﴾ وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجفتهم كانت بسبب أنهم لم ينهوا عن عبادة العجل مع أنهم لم يرضوا بذلك.


الصفحة التالية