ومن حيث إن الله تعالى في كل ذرة من ذرات المخلوقات أسراراً عجيبة وحكماً خفية فيجب النظر إليها بعين الاحترام، وأما إن كان ذلك المخلوق من جنس الحيوان فإنه يجب إظهار الشفقة عليه بأقصى ما يقدر الإنسان عليه، ويدخل فيه بر الوالدين وصلة الأرحام وبث المعروف فثبت أن قوله عليه الصلاة والسلام :" التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله " كلمة جامعة لجميع جهات الأمر بالمعروف.
الصفة السادسة : قوله :﴿وينهاهم عَنِ المنكر﴾ والمراد منه أضداد الأمور المذكورة وهي عبادة الأوثان، والقول في صفات الله بغير علم، والكفر بما أنزل الله على النبيين، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين.
الصفة السابعة : قوله تعالى :﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات﴾ من الناس من قال : المراد بالطيبات الأشياء التي حكم الله بحلها وهذا بعيد لوجهين : الأول : أن على هذا التقدير تصير الآية ويحل لهم المحللات وهذ محض التكرير.
الثاني : أن على هذا التقدير تخرج الآية عن الفائدة، لأنا لا ندري أن الأشياء التي أحلها الله ما هي وكم هي ؟ بل الواجب أن يكون المراد من الطيبات الأشياء المستطابة بحسب الطبع وذلك لأن تناولها يفيد اللذة، والأصل في المنافع الحل فكانت هذه الآية دالة على أن الأصل في كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع الحل إلا لدليل منفصل.
الصفة الثامنة : قوله تعالى :﴿وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث﴾ قال عطاء عن ابن عباس، يريد الميتة والدم وما ذكر في سورة المائدة إلى قوله :﴿ذلكم فِسْقٌ﴾ وأقول : كل ما يستخبثه الطبع وتستقذره النفس كان تناوله سبباً للألم، والأصل في المضار الحرمة، فكان مقتضاه أن كل ما يستخبثه الطبع فالأصل فيه الحرمة إلا لدليل منفصل.


الصفحة التالية
Icon