وعلى هذا الأصل : فرع الشافعي رحمه الله تحريم بيع الكلب، لأنه روى عن ابن عباس عن النبي ﷺ في كتاب الصحيحين أنه قال :" الكلب خبيث، وخبيث ثمنه " وإذا ثبت أن ثمنه خبيث وجب أن يكون حراماً لقوله تعالى :﴿وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث﴾ وأيضاً الخمر محرمة لأنها رجس بدليل قوله :﴿إِنَّمَا الخمر والميسر﴾ إلى قوله :﴿رِجْسٌ﴾ [ المائدة : ٩٠ ] والرجس خبيث بدليل إطباق أهل اللغة عليه، والخبيث حرام لقوله تعالى :﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث ﴾.
الصفة التاسعة : قوله تعالى :﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والاغلال التى كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قرأ ابن عامر ( وحده آصارهم ) على الجمع، والباقون ﴿إِصْرَهُمْ﴾ على الواحد.
قال أبو علي الفارسي : الإصر مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه يدل على ذلك إضافته، وهو مفرد إلى الكثرة، كما قال :﴿وَلَوْ شَاء الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم﴾ [ البقرة : ٢٠ ] ومن جمع، أراد ضروباً من العهود مختلفة، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما في قوله :﴿وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا﴾ [ الأحزاب : ١٠ ].
المسألة الثانية :
الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه من الحراك لثقله، والمراد منه : أن شريعة موسى عليه السلام كانت شديدة.
وقوله :﴿والاغلال التى كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ المراد منه : الشدائد التي كانت في عباداتهم كقطع أثر البول، وقتل النفس في التوبة، وقطع الأعضار الخاطئة، وتتبع العروق من اللحم وجعلها الله أغلالاً، لأن التحريم يمنع من الفعل، كما أن الغل يمنع عن الفعل، وقيل : كانت بنو إسرائيل إذا قامت إلى الصلاة لبسوا المسوح، وغلوا أيديهم إلى أعناقهم تواضعاً لله تعالى، فعلى هذا القول الأغلال غير مستعارة.