فنقول : تمسك جمع من العلماء في أن أحداً غيره ما كان مبعوثاً إلى كل الخلق لقوله عليه الصلاة والسلام :" أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، أرسلت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، ونصرت على عدوي بالرعب يرعب مني مسيرة شهر، وأطعمت الغنيمة دون من قبلي.
وقيل لي سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي "
ولقائل أن يقول : هذا الخبر لا يتناول دلالته على إثبات هذا المطلوب، لأنه لا يبعد أن يكون المراد مجموع هذه الخمسة من خواص رسول الله ﷺ، ولم يحصل لأحد سواه ولم يلزم من كون هذا المجموع من خواصه كون واحد من آحاد هذا المجموع من خواصه، وأيضاً قيل إن آدم عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع أولاده، وعلى هذا التقدير فقد كان مبعوثاً إلى جميع الناس، وأن نوحاً عليه السلام لما خرج من السفينة، كان مبعوثاً إلى الذين كانوا معه، مع أن جميع الناس في ذلك الزمان ما كان إلا ذلك القوم.
أما قوله تعالى :﴿الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض﴾ فاعلم أنه تعالى لما أمر رسوله بأن يقول للناس كلهم إني رسول الله إليكم أردفه بذكر ما يدل على صحة هذه الدعوى.
واعلم أن هذه الدعوى لا تتم ولا تظهر فائدتها إلا بتقرير أصول أربعة.
الأصل الأول : إثبات أن للعالم إلهاً حياً عالماً قادراً.
والذي يدل عليه ما ذكره في قوله تعالى :﴿الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض﴾ وذلك لأن أجسام السموات والأرض، تدل على افتقارها إلى الصانع الحي العالم القادر، من جهات كثيرة مذكورة في القرآن العظيم، وشرحها وتقريرها مذكور في هذا التفسير، وإنما افتقرنا في حسن التكليف وبعثة الرسل إلى إثبات هذا الأصل، لأن بتقدير أن لا يحصل للعالم مؤثر يؤثر في وجوده، أو إن حصل له مؤثر، لكن كان ذلك المؤثر موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار لم يكن القول ببعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام ممكناً.


الصفحة التالية