وثبت أن ظاهر الأمر للوجوب فكان قوله تعالى :﴿واتبعوه﴾ دليلاً على أنه يجب الانقياد له في كل أمر ونهي، ويجب الاقتداء به في كل ما فعله إلا ما خصه الدليل، وهو الأشياء التي ثبت بالدليل المنفصل أنها من خواص الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل : الشيء الذي أتي به الرسول يحتمل أنه أتى به على سبيل أن ذلك كان واجباً عليه، ويحتمل أيضاً أنه أتى به على سبيل أن ذلك كان مندوباً، فبتقدير أنه أتى به على سبيل أن ذلك كان مندوباً، فلو أتينا به على سبيل أنه واجب علينا، كان ذلك تركاً لمتابعته، ونقضاً لمبايعته.
والآية تدل على وجوب متابعته، فثبت أن إقدام الرسول على ذلك الفعل لا يدل على وجوبه علينا.
قلنا : المتابعة في الفعل عبارة عن الإتيان بمثل الفعل الذي أتى به المتبوع، بدليل أن من أتى بفعل ثم إن غيره وافقه في ذلك الفعل، قيل : إنه تابعه عليه.
ولو لم يأت به.
قيل : إنه خالفه فيه.
فلما كان الإتيان بمثل فعل المتبوع متابعة، ودلت الآية على وجوب المتابعة لزم أن يجب على الأمة مثل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
بقي ههنا أنا لا نعرف أنه عليه السلام أتى بذلك على قصد الوجوب أو على قصد الندب.
فنقول : حال الدواعي والعزائم غير معلوم، وحال الإتيان بالفعل الظاهر والعمل المحسوس معلوم، فوجب أن لا يلتفت إلى البحث عن حال العزائم والدواعي، لكونها أموراً مخفية عنا، وأن نحكم بوجوب المتابعة في العمل الظاهر.
لكونها من الأمور التي يمكن رعايتها، فزالت هذه الشبهة، وتقريره : أن هذه الآية دالة على أن الأصل في كل فعل فعله الرسول أن يجب علينا لإتيان بمثله إلا إذا خصه الدليل.
إذا عرفت هذا فنقول : إنا إذا أردنا أن نحكم بوجوب عمل من الأعمال.