وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ﴾ الآية،
قال بعض المتأولين : إن اليهود المعارضين لمحمد ﷺ قالوا إن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم ومقررة ما كان من فعل أهل هذه القرية، فسؤالهم إنما كان على جهة التوبيخ و﴿ القرية ﴾ هنا مدين قاله ابن عباس، وقيل أيلة، قاله ابن عباس وعبد الله بن كثير وعكرمة والسدي والثوري، وقال قتادة هي مقنا بالقاف ساكنة، وقال ابن زيد هي مقناة ساحل مدين، ويقال فيها مغنى بالغين مفتوحة ونون مشددة، وقيل هي طبرية قاله الزهري، و﴿ حاضرة ﴾ يحتمل أن يريد معنى الحضور أي البحر فيها حاضر، ويحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر، و﴿ إذ يعدون ﴾ معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو، وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك " يعَدُّون "، قال أبو الفتح أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل فتحها إلى العين فصار " يعَدُّون " بفتح العين وشد الدال المضمومة، والاعتداء منهم في السبت هو نفس العمل والاشتغال كان صيداً أو غيره إلا أنه كان في هذه النازلة بالصيد وكان الله عز وجل ابتلاهم في أمر الحوت بأن يغيب عنهم سائر الجمعة فإذا كان يوم السبت جاءهم في الماء شارعاً أي مقبلاً إليهم مصطفاً كما تقول أشرعت الرماح إذا مدت مصطفة، وهذا يمكن أن يقع من الحوت بإرسال من الله كإرسال السحاب أو بوحي وإلهام كالوحي إلى النحل أو بإشعار في ذلك اليوم على نحو ما يشعر الله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة حسبما يقتضيه قول النبي ﷺ :" ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس فرقاً من الساعة "، ويحتمل أن يكون ذلك من الحوت شعوراً بالسلامة في ذلك اليوم على نحو شعور حمام الحرم بالسلامة.