وقال ابن عاشور :
جملة :﴿ وإذ قالت أمة منهم ﴾ عطف على قوله :﴿ إذ يعدون ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] والتقدير : واسألَ بني إسرائيل إذ قالت أمة منهم، فإذْ فيه اسم زمان للماضي وليست ظرفاً، ولها حكم ﴿ إذْ ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] أختها، المعطوفة هي عليها، فالتقدير : واسألهم عن وقت قالت أمة، أي عن زمنَ قول أمة منهم، والضمير المجرور بمن عائِد إلى ما عاد إليه ضمير ﴿ أسألهم ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] وليس عائداً إلى القرية، لأن المقصود توبيخ بني إسرائيل كلهم، فإن كان هذا القول حصل في تلك القرية كما ذكره المفسرون كان غير منظور إلى حصوله في تلك القرية، بل منظوراً إليه بأنه مظهر آخر من مظاهر عصيانهم وعتوهم وقلة جدوى الموعظة فيهم، وأن ذلك شأن معلوم منهم عند علمائهم وصلحائهم، ولذلك لما عطفت هذه القصة أعيد معها لفظ اسم الزمان فقيل :﴿ وإذْ قالت أمة ﴾ ولم يقل : وقالت أمة.
والأمة الجماعة من الناس المشتركة في هذا القول، قال المفسرون : إن أمة من بني إسرائيل كانت دائبة على القيام بالموعظة والنهى عن المنكر، وأمة كانت قامت بذلك ثم أيست من إتعاظ الموعوظين وأيقنت أن قد حقت على الموعوظين المصمين آذانهم كلمة العذاب، وأمة كانت سادرة في غلوائها، لا ترعوي عن ضلالتها، ولا ترقب الله في أعمالها.
وقد أجملت الآية ما كان من الأمة القائلة إيجازاً في الكلام، اعتماداً على القرينة لأن قولهم :﴿ الله مهلكهم ﴾ يدل على أنهم كانوا منكرين على الموعوظين، وإنهم ما علموا أن الله مهلكهم إلاّ بعدَ أن مارسوا أمرهم، وسبروا غورهم، ورأوا أنهم لا تغني معهم العظات، ولا يكون ذلك إلاّ بعد التقدم لهم بالموعظة، وبقرينة قوله بعد ذلك ﴿ أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس ﴾ إذ جعل الناس فريقين، فعلمنا أن القائلين من الفريق الناجي، لأنهم ليسوا بظالمين، وعلمنا أنهم ينهون عن السوء.


الصفحة التالية
Icon