وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ﴾
وضمير ﴿ نسوا ﴾ عائد إلى ﴿ قوماً ﴾ والنسيان مستعمل في الإعراض المفضي إلى النسيان كما تقدم عند قوله تعالى :﴿ فلما نسوا ما ذُكروا به ﴾ في سورة الأنعام ( ٤٤ ).
والذين ينهون عن السوء } هم الفريقان المذكوران في قوله آنفاً ﴿ وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً ﴾ إلى قوله ﴿ ولعلهم يتقون ﴾، و ﴿ الذين ظلموا ﴾ هم القوم المذكورون في قوله :﴿ قوماً الله مُهلكهم ﴾ إلخ.
والظلم هنا بمعنى العصيان، وهو ظلم النفس، حق الله تعالى في عدم الامتثال لأمره.
و﴿ بِيسٍ ﴾ قرأه نافع وأبو جعفر بكسر الباء الموحدة مشبعة بياء تحتية ساكنة وبتنوين السين على أن أصله بئْس بسكون الهمزة فخففت الهمزة ياء مثل قولهم : ذِيب في ذِئْب.
وقرأه ابن عامر ﴿ بئْس ﴾ بالهمزة الساكنة وإبقاء التنوين على أن أصله بَئيس.
وقرأه الجمهور ﴿ بَئيس ﴾ بفتح الموحدة وهمزة مكسورة بعدها تحتية ساكنة وتنوين السين على أنه مثالُ مبالغة من فعل بَؤُس بفتح الموحدة وضم الهمزة إذا أصابه البؤس، وهو الشدة من الضر.
أو على أنه مصدر مثل عَذير ونَكير.
وقرأه أبو بكر عن عاصم ﴿ بَيْئسَ ﴾ بوزنَ صَيْقل، على أنه اسم للموصوف بفعل البؤس مبالغة، والمعنى، على جميع القراءات : أنه عذاب شديد الضر.
وقوله :﴿ بما كانوا يفسقون ﴾ تقدم القول في نظيره قريباً.
وقد أجمل هذا العذاب هنا، فقيل هو عذاب غير المسخ المذكور بعده، وهو عذاب أصيب به الذين نَسوا ما ذُكروا به، فيكون المسخ عذاباً ثانياً أصيب به فريق شاهدوا العذاب الذي حل بإخوانهم، وهو عذاب أشد، وقع بعد العذاب البيس، أي أن الله أعذر إليهم فابتدأهم بعذاب الشدة، فلما لم ينتهوا وعتوا، سلّط عليهم عذاب المسخ.