منها : أنهم تحيلوا لاصطياد الحيتان فيه بوضع الحبائل والبرك قبل يوم السبت، حتى إذا جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة، نشبت بتلك الحبائل، فلم تخلص منها يومها، فإذا كان الليل، أخذوها بعد انقضاء السبت.
ومنها : أنهم كانوا يأخذونها يوم السبت بالفعل، ولكن يأكلونها في غيره من الأيام، فتأول لهم الشيطان أن النهي عن الأكل فيه منها، لا عن صيدها، فنهتهم طائفة منهم عن ذلك وقالت : ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف، أو قذف، أو بعض ما عنده من العذاب، فلما أصبحوا وجدوهم أصابهم من المسخ ما أصابهم، وإذا هم قردة - رواه عبد الرزاق وابن جرير - وثمة روايات أخر.
وروي عن مجاهد أنهم مسخت قلوبهم، لا أبدانهم - والله أعلم -.
الثاني : اسُتدل بهذه القصة على تحريم الحِيَلِ.
قال الإمام ابن القيم في " إغاثة اللهفان " : ومن مكايد الشيطان التي كاد بها الإسلام وأهله، الحيل والمكر والخداع، الذي يتضمن تحليل ما حرم الله، وإسقاط ما فرضه، ومضادته في أمره ونهيه، وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه.
فإن الرأي رأيان : رأي يوافق النصوص، وتشهد له بالصحة والإعتبار، وهو الذي اعتبره السلف، وعملوا به، ورأي يخالف النصوص، وتشهد له بالإبطال والإهدار، فهو الذي ذموه وأنكروه.
وكذلك الحيل نوعان : نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه، والتخلص من الحرام، وتخليص المحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي، فهذا النوع محمود، يثاب فاعله ومعلمه. ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالماً، والظالم مظلوماً، والحق باطلاً، والباطل حقاً، فهذا الذي اتفق السلف على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض.
ثم ساق الوجوه العديدة على تحريمه وإبطاله.
وقال في سادسها :


الصفحة التالية
Icon