إن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود بمسخهم قردة لما اختالوا على إباحة ما حرمه الله تعالى عليهم من الصيد، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة، فلما وقع فيها الصيد، أخذوه يوم الأحد.
قال بعض الأئمة : ففي هذا زجر عظيم لمن يتعاطى الحيل على المناهي الشرعية، ممن يتلبس بعلم الفقه، وهو غير فقيه، إذ الفقيه من يخشى الله تعالى بحفظ حدوده، وتعظيم حرماته، والوقوف عندها، ليس المتحيل على إباحة محارمه، وإسقاط فرائضه.
ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيباً لموسى عليه السلام وكفراً بالتوراة، وإنما هو استحلال تأويل، واختيال ظاهره ظاهر الإيفاء، وباطنه باطن الاعتداء، ولهذا - والله أعلم - مسخوا قردة، لأن صورة القرد فيها شبه من صورة الْإِنْسَاْن، وفي أوصافه شبه منهم، وهو مخالف له في الحد والحقيقة.
فلما نسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره، دون حقيقته، مسخهم الله قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم، دون الحقيقة، جزاء وفاقاً.
ثم روي في عاشرها عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :< لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل >.
الثالث : دلت الآيات على أن أهل هذه القرية صاروا إلى ثلاث فرق : فرقة ارتكبت المحذور، واحتالوا على صيد السمك يوم السبت، كما بينا. وفرقة نهت
عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكرة : لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم ؟
فأجابتها المنكرة : بأنا نفعل ذلك اعتذاراً إلى ربنا فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم نص الله على نجاة الناهين، وهلاك الظالمين.