البحث الثالث : لا شبهة في أن المراد اليهود الذين ثبتوا على الكفر واليهودية، فأما الذين آمنوا بمحمد ﷺ فخارجون عن هذا الحكم.
أما قوله :﴿إلى يَوْمِ القيامة﴾ فهذا تنصيص على أن ذلك العذاب ممدود إلى يوم القيامة وذلك يقتضي أن ذلك العذاب إنما يحصل في الدنيا، وعند ذلك اختلفوا فيه فقال بعضهم : هو أخذ الجزية.
وقيل : الاستخفاف والإهانة والإذلال لقوله تعالى :﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ﴾ وقيل : القتل والقتال.
وقيل : الإخراج والإبعاد من الوطن، وهذا القائل جعل هذه الآية في أهل خيبر وبني قريظة والنضير، وهذه الآية نزلت في اليهود على أنه لا دولة ولا عز، وأن الذل يلزمهم، والصغار لا يفارقهم.
ولما أخبر الله تعالى في زمان محمد عن هذه الواقعة.
ثم شاهدنا بأن الأمر كذلك كان هذا أخباراً صدقاً عن الغيب، فكان معجزاً، والخبر المروي في أن أتباع الرجال هم اليهود إن صح، فمعناه أنهم كانوا قبل خروجه يهوداً ثم دانوا بإلهيته، فذكروا بالاسم الأول ولولا ذلك لكان في وقت اتباعهم الدجال قد خرجوا عن الذلة والقهر، وذلك خلاف هذه الآية.
واحتج بعض العلماء على لزوم الذل والصغار لليهود بقوله تعالى :
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ الله﴾ [ آل عمران : ١١٢ ] إلا أن دلالتها ليست قوية لأن الاستثناء المذكور في هذه الآية يمنع من القطع على لزوم الذل لهم في كل الأحوال.
أما الآية التي نحن في تفسيرها لم يحصل فيها تقييد ولا استثناء، فكانت دلالتها على هذا المعنى قوية جداً.
واختلفوا في أن الذين يلحقون هذا الذل بهؤلاء اليهود من هم، فقال بعضهم : الرسول وأمته وقيل يحتمل دخول الولاة الظلمة منهم، وإن لم يؤمروا بالقيام بذلك إذا أذلوهم.


الصفحة التالية
Icon