(فَإِنْ قُلْتَ) : الْأُمَّةُ الَّذِينَ قَالُوا : لِمَ تَعِظُونَ ؟ مَنْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ هُمْ ؟ أَمِنَ فَرِيقِ النَّاجِينَ أَمِ الْمُعَذَّبِينَ ؟ (قُلْتُ) : مِنْ فَرِيقِ النَّاجِينَ ; لِأَنَّهُمْ مِنْ فَرِيقِ النَّاهِينَ، وَمَا قَالُوا مَا قَالُوا إِلَّا سَائِلَيْنِ عَنْ عِلَّةِ الْوَعْظِ وَالْغَرَضِ فِيهِ، حَيْثُ لَمْ يَرَوْا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا لِعِلْمِهِمْ بِحَالِ الْقَوْمِ، وَإِذَا عَلِمَ النَّاهِي حَالَ الْمَنْهِيِّ، وَأَنَّهُ النَّهْيُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، سَقَطَ عَنْهُ النَّهْيُ، وَرُبَّمَا وَجَبَ التَّرْكُ لِدُخُولِهِ فِي بَابِ الْعَبَثِ. أَلَّا تَرَى أَنَّكَ لَوْ ذَهَبْتَ إِلَى الْمَكَّاسِينَ الْقَاعِدِينَ عَلَى الْمَآصِرِ، وَالْجَلَّادِينَ الْمُرَتَّبِينَ لِلتَّعْذِيبِ، لِتَعِظَهُمْ وَتَكُفَّهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، كَانَ ذَلِكَ عَبَثًا مِنْكَ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا سَبَبًا لِلتَّلَهِّي بِكَ. وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنَّمَا لَمْ يُعْرِضُوا عَنْهُ إِمَّا ; لِأَنَّ يَأْسَهُمْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ كَمَا اسْتَحْكَمَ يَأْسُ الْأَوَّلِينَ، وَلَمْ يَخْبَرُوهُمْ كَمَا خَبَرُوهُمْ. أَوْ لِفَرْطِ حَصْرِهِمْ، وَجَدِّهُمْ فِي أَمْرِهِمْ، كَمَا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِهِ : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ (١٨ : ٦) اهـ.


الصفحة التالية
Icon