موعظة
قال صاحب روح البيان :
ينبغي للعاقل أن يحسن الظن بربه، ولا يتكاسل في باب العبادة فإن السفينة لا تجري على اليبس.
وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال : دخلت جبانة البصرة فإذا أنا بسعدون المجنون فقلت : كيف حالك وكيف أنت؟ قال : يا مالك كيف يكون حال من أمسى وأصبح يريد سفراً بعيداً بلا أهبة ولا زاد، ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد، ثم بكى بكاء شديداً، فقلت ما يبكيك؟ قال : والله ما بكيت حرصاً على الدنيا ولا جزعاً من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمري لا يحسن فيه عمل أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدري بعد ذلك أصير إلى الجنة أم إلى النار؟ فسمعت منه كلام حكمة فقلت : إن الناس يزعمون أنك مجنون، فقال : وأنت اغتررت بما اغتر به بنو إسرائيل زعم الناس أني مجنون وما بي جنة ولكن حب مولاي قد خالط قلبي وأحشائي وجرى بين لحمي ودمي وعظامي فأنا والله من حبه هائم مشغوف، فقلت : يا سعدون فلِمَ لا تجالس الناس وتخالطهم فأنشأ يقول :
كن من الناس جانبا
وارض بالله صاحبا
قلّبِ الناس كيف شئـ
ـت تجدهم عقاربا.
كذا في "روض الرياحين" لليافعي. أ هـ ﴿روح البيان حـ ٣ صـ ٣٤٢﴾