فصل
قال الفخر :
اعلم أن قوله :﴿وقطعناهم﴾ أحد ما يدل على أن الذي تقدم من قوله :﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ [ الأعراف : ١٦٧ ] المراد جملة اليهود، ومعنى ﴿قطعناهم﴾ أي فرقناهم تفريقاً شديداً.
فلذلك قال بعده :﴿فِي الأرض أُمَمًا﴾ وظاهر ذلك أنه لا أرض مسكونة إلا ومنهم فيها أمة، وهذا هو الغالب من حال اليهود، ومعنى قطعناهم، فإنه قلما يوجد بلد إلا وفيه طائفة منهم.
ثم قال :﴿مّنْهُمُ الصالحون﴾ قيل المراد القوم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام لأنه كان فيهم أمة يهدون بالحق.
وقال ابن عباس ومجاهد : يريد الذين أدركوا النبي ﷺ وآمنوا به وقوله :﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك﴾ أي ومنهم قوم دون ذلك، والمراد من أقام على اليهودية.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون قوله :﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك﴾ من يكون صالحاً إلا أن صلاحه كان دون صلاح الأولين لأن ذلك إلى الظاهر أقرب.
قلنا : أن قوله بعد ذلك :﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ يدل على أن المراد بذلك من ثبت على اليهودية وخرج من الصلاح.
أما قوله :﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات﴾ أي عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات، وهي النعم والخصب والعافية، والسيئات هي الجدب والشدائد، قال أهل المعاني : وكل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة، أما النعم فلأجل الترغيب، وأما النقم فلأجل الترهيب.
وقوله :﴿يَرْجِعُونَ﴾ يريد كي يتوبوا. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ٣٦﴾