ولما كان المظنون بمن يرث الكتاب الخير، فكان كأنه قيل : ما فعلوه من الخير فيما ورثوه؟ قال مستأنفاً :﴿يأخذون﴾ أو يجددون الأخذ دائماً، وحقر ما أخذوه بالإعلام بأنه مما يعرض ولا يثبت بل هو زائل فقال :﴿عرض﴾ وزاده حقارة بإشارة الحاضر فقال ﴿هذا﴾ وصرح بالمراد بقوله :﴿الأدنى﴾ أي من الوجودين، وهو الدنيا ﴿ويقولون﴾ أي دائماً من غير توبة.
ولما كان النافع الغفران من غير نظر إلى معين، بنوا للمفعول قولهم :﴿سيغفر لنا﴾ أي من غير شك، فأقدموا على السوء وقطعوا بوقوع ما يبعد وقوعه في المستقبل حكماً على من يحكم ولا يحكم عليه، وصرح بما افهمه ذلك من إصرارهم معجباً منهم في جزمهم بالمغفرة مع ذلك بقوله :﴿وإن﴾ أي والحال أنه إن ﴿يأتهم عرض مثله﴾ أي في الدناءة والخسة - والحرمة كالرشى ﴿يأخذوه ﴾.
ولما كان هذا عظيماً، أنكر عليهم مشدداً - للنكير بقوله مستأنفاً :﴿ألم يؤخذ عليهم﴾ بناه للمفعول إشارة إلى أن العهد يجب الوفاء به على كل حال، ثم عظمه بقوله :﴿ميثاق الكتاب﴾ أي الميثاق المؤكد في التوارة ﴿أن لا يقولوا﴾ أي قولاً من الأقوال وإن قل ﴿على الله﴾ أي الذي له الكمال العظمة ﴿إلا الحق﴾ أي المعلوم ثباته، وليس من المعلوم ثباته إثبات المغفرة على القطع بغير توبة، بل ذلك خروج عن ميثاق الكتاب.
ولما كان ربما وقع في الوهم أنه أخذ على أسلافهم ولم يعلم هؤلاء به، نفى ذلك بقوله :﴿ودرسوا ما فيه﴾ أي ما في ذلك الميثاق بتكرير القراءة للحفظ ﴿والدار الأخرة﴾ أي فعلوا ما تقدم من مجانبة التقوى والحال أن الآخرة ﴿خير﴾ أي مما يأخذون ﴿للذين يتقون﴾ أي وهم يعلمون ذلك بإخبار كتابهم، ولذلك أنكر عليهم بقولة :﴿أفلا تعقلون﴾ أي حين أخذوا ما يشقيهم ويفنى بدلاً مما يسعدهم ويبقى، وعلى قراءة نافع وابن عامر وحفص بالخطاب يكون المراد الإعلام بتناهي الغضب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٤٤ ـ ١٤٦﴾


الصفحة التالية
Icon